آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

الإمام الحسين وحفظ الكيان الإسلامي

عبد الرزاق الكوي

عندما بعث النبي محمد ﷺ كانت بعثته المباركة انبثاق نور الإسلام بهذا الدين أوجد كيانا متكاملاً، وأسس قواعد راسخة ومبادئ عظيمة وقيم أصيلة قدمت النفع للبشرية، بما تستمده من الشريعة السماوية السمحاء، حيث شملت كل ما يخص وما تحتاجه البشرية في جميع نواحي الحياة.

المؤسس لهذه الحضارة خير البشر والصادق الأمين رسول رب العالمين، قيادة حكيمة، كان في هذه المسيرة المظفرة الإمام علي خير معين ومدافع عن هذه الرسالة بعد تربية واهتمام الرسول ﷺ بهذه الشخصية لتقود الأمة وتواصل المسيرة، فكان النبي ﷺ وأهل الكساء هم الأساس لانبثاق هذه الحضارة المباركة على أسس متينة قدمت من أجلها أجل التضحيات.

قال رسول الله صلى عليه وآله: ”إني مخلفٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض“.

عاش من أجل ذلك الرسول ﷺ وأهل بيته هموم الأمة فالكيان الإسلامي والتقدم في المجتمع هو محمدي الأساس، وامتداده هو الإمام علي والأئمة من ولده، حيث واجهوا التحديات والصعاب، وقدموا الغالي والنفيس ليبقى الإرث المحمدي مستمراً، واجهتهم حروب شعواء مستمرة من أجل طمس معالم الدين وهدم هذا الكيان، لكن الدماء الزكية من أهل البيت التي سالت حفظت الرسالة، رغم الفتن والتشويش من قبل زمرة من المنافقين وقوى متعددة مع كل ذلك استمرت وسادت بقيمها العالم.

يقول أمير المؤمنين الإمام علي : ”ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ اللَّه“ ﷺ ”وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا“ بفضل عطاء أهل البيت وتربيتهم للمجتمع برز عظماء خدموا البشرية بعلومهم وأخلاقهم، فكان جيلاً استفاد من عطائهم، وانعكس هذا العطاء رحمة وعدالة وكرامة للإنسانية جمعاء، حضارة على أسس متينة، اليوم البشرية تحتاجها في ظل فشل الحضارة الحديثة في قيادة العالم لبر الأمان، بل مزيد من الهيمنة والتسلط والتدخل في شؤون العالم بدون رادع، بلا قيم أو وازع قانوني أو أخلاقي، العالم اليوم يحتاج إلى منقذ والنجاة هي باتباع خطى الرسول ﷺ وأهل بيته والعالم، ففي هذه الأيام يقيم عزاء الإمام الحسين الذي ضحى بحياته وجميع أهل بيته من أجل الإنسانية وكرامتها وعزها.

هذا هو الامتداد الذي حافظ على بقاء الرسالة من بعد النبي على يد أهل البيت ، فكانت نهضة الإمام الحسين امتداداً لذلك حيث أوجدت هزة عظيمة في المجتمع من رجل عظيم وهو سيد شباب أهل الجنة صاحب المكانة العظيمة عند جده ﷺ، هيأ للقيام بهذا الدور منذ ولادته عاش جل عمره في بيئة كانت تدافع عن القيم في وجه طوابير من أصحاب الأجندات المختلفة جميعها تصب في محاربة الرسالة الإسلامية.

نهضة الإمام الحسين محطة مهمة من محطات التاريخ الإنساني، كتب هذا المشروع الإصلاحي بدماء زكية ليس من أجل فئة معينة أو أهداف مرحلية، بل من أجل مستقبل البشرية بحضور استثنائي لم يأت عطاء مثله، فقد كانت كربلاء ساحة الكرامة والعزة واستمرار لمشروع بدأه نبي الأمة المصطفى ﷺ، مشروع يؤسس لبناء مجتمعات متعاقبة ثابتة قيمها، لأن فيها جميع الإجابات وحل لكل الإشكالات تلبي جل الاحتياجات، هذا ما أنتجته نهضة الإمام الحسين العالم بكل دياناته وأعراقه وألوانه، الهدف بناء هذا الإنسان ليعيش الحياة الفاضلة المتمثلة في نهضة الإمام الحسين حيث جسد في نهضته كل معاني الحضارة الإسلامية، ورسمت للمستقبل خطوطه، اختصرت الطريق للأجيال كيف يكون الرقي والحياة الإنسانية الكريمة وكيفية المحافظة على هذا الإنجاز الحضاري واستمراريته.

كربلاء بما قدم فيها من تضحيات اختصرت للإنسانية الطريق قالها الإمام ”هيهات منا الذلة“ وهذا ما ينقص البشرية، وهي تعيش واقعاً على المستوى العالمي تنتهك في حقوقه، وتسلب خيراته وإشعال الحروب في كثير من مناطقه يقتل فيها الأبرياء بحجج واهية.

وفي هذه الأيام الحزينة على قلب الرسول ﷺ تصل بناته سبايا؛ لأنهم يمثلون امتداداً لمشروع اكتمل بجهدهم وتضحياتهم في موقف من المواقف العظيمة التي تدمي القلوب، ولكن واجبهم الشرعي أعطاهم هذه المكانة في الدنيا والآخرة، بعد ما عاشوا فترة من المعاناة مشاهدتهم رجالهم وهم خير الرجال صرعى مقطعي الرؤوس وممزقي الأجساد، مسيرة من العذاب كانت في سبيل حفظ رسالة جدهم.