ولادة وموت وحب في المكتبة
للمكتبات وروّادها نوادرُ دوَّنتها الكتب وتداولها الناس، فمن ذلك أن هناك من ولد في مكتبة؛ وهو جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين أبو بكر السيوطي «1445-1505 م»، ذلك أن أباه طلب من أمه وهي حامل به أن تأتيه بكتاب من مكتبته، وبينما كانت تحمل الكتاب إلى زوجها جاءها الطلْق، ثم وضعت ابنها، ولهذا لقب السيوطي بابن الكتب، وقد أصبح بعدها عالمًا ومؤلفًا ومفسرًا شهيرًا.
كما أن هناك من مات في مكتبة، وهو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري، المعروف بالجاحظ «775-868 م»، الذي عاش أكثر أيام حياته في المكتبات، وألَّف عددًا كبيرًا من الكتب، أبرزها الحيوان والبخلاء والبيان والتبيين، ثم مات تحت أنقاض مكتبته التي وقعت عليه حين كان يبحث فيها عن أحد الكتب.
وهناك من وقع في الحب في مكتبة؛ كالكاتب الجزائري مالك بن نبي، الذي كان يزور إحدى المكتبات للقراءة، وصادف أنه كان يحتاج إلى كتاب، فقيل له إن امرأة استعارته، فسأل عنها ولما عرفها تقدم إليها وتزوجها.
وتعد المكتبة من الأماكن التي تشع بالطاقة الإيجابية لدى البعض، حيث تبقى المكان الذي يمكن أن تحصل فيه أمور مهمة ومحورية؛ كتأليف كتاب أو رواية، أو قراءة من أجل القيام بذلك. فهي كالمواد الأولية التي تشكل صناعة أي مادة أو جهاز. هناك تُغرس البذرة التي تنبت أفضل الأشجار والثمار، وتعقد فيها نطفة الأفكار الخلاقة وإن لم يلتفت إليها أحد قبل ذلك. حتى وإن بدت المكتبة مكانًا هادئًا فإنها تضج بأكثر الأنشطة أهمية في العالم، وهي الأنشطة الفكرية، حيث تجري مراكمتها هناك لكي تنبثق منها علوم جديدة مستفيدة من هذا التراكم الجميل الذي لولاه لاحتاج الإنسان ربما إلى إعادة اختراع العجلة مرات عدة من أجل استمرار التطور. وهي أيضًا مقر اكتناز وحفظ العلوم لعقود وقرون طويلة لا تمل منها ولا يخرجها منها إلا طغيان الإنسان حين يفكر في حرقها أو تدميرها، كما حصل مئات المرات عبر حقب التاريخ الإنساني. ليست مجرد رفوف وخزائن لحفظ الكتب، بل عقول آلاف الكتاب والفلاسفة والمفكرين تغفو بهدوء منتظرة من يحن عليها ويتصفحها لكي يضمن ذلك لكُتّابها حياة جديدة.