آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 12:40 م

مباهج القناع

محمد العلي * مجلة اليمامة

إذا قرأت نصا ما، فأنت بين حالتين: إما أن يقدم لك معناه على طبق مفعم شحما، هنيئا مريئا، أو أنه يلوح لك من الضفة الأخرى، وعليك السباحة إليه، فهل يختلف إدراكك للمعنى وامتلاكه في الحالتين، أم بينها فرق وسع المسافة التي قطعتها في السباحة المرهقة؟ أظنك تعتبر السؤال عبثيا، فالشك ليس له مكان يأوي إليه هنا، فلا أحد يجهل أن اللذع الذي يعتري المرء عند رؤية الوجه المغطى أشد لهبا من رؤية الوجه السافر.

هذه إحدى مباهج القناع في الجمال الحسي والوجداني. ولكن علينا أن نسأل عن المباهج الأخرى  مثلا  أنت جالس على البحر. وهناك يجلس، قريبا منك شاعر «ينام ملء جفونه عن شواردها» فهل إحساسك برقص الأمواج ونفوذ الرؤية إلى لؤلؤ القاع، وارتشاف النشوة، وأنت ترى الشمس في لحظة تحجبها بالماء، مثل إحساسه بها؟ لا أظن أنك تهين عقلك وتجرأ على ذلك الادعاء. لنصعد أكثر: حين التفت شمالا أبصرت طفلا يرى البحر لأول مرة، جالسا قرب الشاعر وعيناه غارقتان في البحر. فهل تتخيل أن ما يغلي في داخله من الأحاسيس تماثل، لا أحاسيسك، بل أحاسيس ذلك الشاعر، لا أعتقد ذلك، فهناك فرق في عمق الدهشة وعفويتها البكر بينهما، فالدهشة عند الشاعر عبر عنها مرارا، فأصبحت مثل جمرة راح يعلوها رماد التكرار، أما دهشة الطفل فهي مثل ضمير مستتر لا تعرف إلى أين يعود، تولد عنده موجا من الأحاسيس لا ضفاف لها.

ترى لو انكشف وجه «الحقيقة» كاملا ووجه «السعادة» و«العدالة» و«الحرية»؟ تلك التي ابيضت عيون الفلاسفة والمفكرين وأصحاب الدوافع الإنسانية، منذ بدء التاريخ المكتوب، وهم يحاولون كشف الأقنعة عنها، ترى لو انكشفت، ألا يصبح الإنسان حجرا؟

كاتب وأديب