آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 6:21 م

الحلقة السادسة من سلسلة حوارات خيالية بين الشاعر علي بن مكي الشيخ ودواوين مجموعة من الشعراء‎‎

ديوان ”معلقون على الأحداق“ ‎‎.. للشاعر السعودي حبيب على المعاتيق - القطيف - تاروت

علي مكي الشيخ

يتسرب لنا من خلال هذا الحوار الخيالي.. لنسبر أغوار تجربته التي تتسم بنكهة العذوبة والرقة العالية..

.. حبيب علي..

اسم يتردد على الشفاه.. وترويه المسجات الأثيرية.. في كل خميس مائس بالشعر والجمال على امتداد الوطن العربي..

حبيب على..

دعني أتحدث معك بكل عفوية وأريحية.. لأبدأ من حيث لا يبدأ الجمال، ولأقف من حيث لا يقف الحب..

السؤال الأول:

التساؤل الذي أجده لدى الكثير ممن يقرأ نصوصك..
هل مغامراتك النصية كلها واقعية وصادقة
أم فيها الكثير من كذب الخيال؟!

أبو صادق:

أولا شكرا لهذا اللقاء المسرب من خيال مشاعرك عزيزي

ثانيا.. أقول للقارئ:

”هنا شيءٌ من الرغيف الذي تقاسمناه على مائدة العمر“

أما الجواب على تساؤلك هذا والذي لا أحتاج معه للكثير من العناء ولك أن تقرأ من نص

”عتبة أولى“
للشعر نوافذُ مشرعةٌ
ولقلبي سبعةُ أبوابٍ كاذبةٍ جدًّا
وسياجٌ صادق

وممرٌّ
يفضي للدور الأول
لكنّ الحبّ وتسعةَ أعشار اللهفة
نازلةٌ في آخر طابق..

للحبّ حياةٌ من قصبٍ
من أين سأدخل هذا العشّ
أنا المملوء حرائق

مشتعلٌ منذ حملتُ وقودَ الحب
على ظهري
ومنذ نزلتُ بحور الشعر
أنا غارقْ

هل أكذبُ؟
من أين سأنجزُ للعشاقِ قصائدهم
واللوعةُ أكبر في صدري
من هذا العاشقْ!!

السؤال الثاني:

يجد القارئ لديوانك..معلقون على الأحداق، وغيرها من النصوص المقروء والمسموعة، أنك تتكئ في الكثير من نصوصك على تقنية التضاد، وهي لمسة أسلوبية مدهشة.

يقول محمود درويش:

”أرى اللاشيء شفافًا جليًّا، والمساء
غواية اللاشيء
واللاشيء أفضل من فساد الشيء“

حبذا لو أعطيتني بعض ما كتبته في هذا المجال

أبو صادق:

مسألة التضاد لا تقتصر على الشعر في جمالياته، بل كل فنون الحياة توظف هذه التقنية، والضدُّ يظهر حسنه الضدُّ.. كما يقال.

أما في تجربتي فإليك مما كتبته:

- ”وإذا ابتعدنا في الحقيقة
لم يزدنا بعدنا في الشعر
في المعنى اللذيذ سوى التدنّي“

- ”يطلُّ الصباح على شارعٍ في الغيوم
ويمشي الغرامُ على غيرِ شارع“

- ”وكلّما غالبني الشوقُ إلى وجهك في
كلّ المساءات غلبْ“

السؤال الثالث:

متى كانت ولادتك الشعرية؟ وإلى أي مدرسة شعرية تنتمي؟ ومن هو الأب الشعري بالنسبة لك؟!

أبو صادق:

ما عدتُ أذكرُ مولدي
اليوم مولدنا معا يا أيها الشعراءُ
والدنا المجاز
ونحن أبناءُ الحقيقة بالتبني

والفنُّ بدعتنا
والفنُّ راحلةٌ تطير،
ولا تطير قصيدةٌ للعالم الأعلى
البعيد بغير فنِّ

جميل أبا صادق.. ذكرتني بعنوان ديوان الصديق ياسر الغريب ”الحقيقة أمي والمجاز أبي“، فما أرق تخاطركما وتوارد أفكاركما..

السؤال الرابع:

في الحب.. دائما يعبر عنه الشعراء بأدوات الحرب، ويعدونها مغامرة، ومجاهدة وتربص، وتضحية في سبيل الوصول للحبيب وهو الغاية كالبيت المشهور:

والسيف في الغمد لا تخشى مضاربهُ *** وسيفُ عينيك في الحالتين بتّارُ

كيف وظفت استخدامك لهذه الأدوات الغازية في الحب؟!

أبو صادق:

نعم.. هذا الأسلوب كان وما زال سائدا في الشعر المعاصر، ولك أن تقف على نص ”بعض اللحظات“:

بعضُ النظرات فتيلة نارٍ عمياء
إذا اندلعت في القلب
تلمّ الأخضر والأملحْ

بعضُ النظراتِ رصاصة موتٍ طائشةٍ
لا تقتلُ منْ ألف بريء
إلّا أنت على الأرجحْ

وتسببُ معركة شعواء بقلبك بين النبض
إذا خطرت بعضُ النظرات
على ملمحْ

أصبحتُ أخافُ
أنا بارود غرامٍ محتقنٍ
حلّفتكَ بالغالين
معي بالنارِ فلا تمزحْ..

ومن نصي.. ”ولهُ العصفور“

للحبّ ضجيجٌ
يشبه قرعَ طبول الحربً،
إذا زحفتْ خطوات الجيشِ على الجيشِ

وإذا ألقتْ جمراتُ الحرب حرائقها
وانتقمَ الطيشُ منَ الطيشِ

مثالا ثالثا وقصيرا أيضا..

”لم يزل يلغمنا البعدُ
بهذا الشوق
في هيأة عبواتٍ من الحبّ
متى ما واجهت عيناي عينيكِ
انفجر“

السؤال الخامس:

يقول الشاعر

وكنا ألفناها ولم تكُ مألفا
كما يؤلف الشيء الذي ليس بالحسنْ

كما تؤلفُ الأرض التي لم يطب بها
هواء ولا ماء ولكنّها وطنْ

وأنت ماذا كتبت عن القطيف وطن الحضارة؟!

أبو صادق:

الحديث عن القطيف ذو شجون، ويفتح شهية الكلام حول حضارة الأرض والإنسان، ولكني سأوجز لك الكلام من خلال نصي:

”اللذيذُ من الذكريات“

هنا يركضُ الحبُّ مَُهرًا أصيلًا
يحمحمُ في مهرجان الصهيل
ويملأُ أرواحنا بالجماح

فعودي إلى «إرثكِ الثرُّ يا خَطّ»
في دفعِ ذاتِ القنا
وادرعي بي أنا
في عداد الرماحْ

وصولي بقلبي..
إنّ القلاعَ التي سيّجتكِ محصّنةٌ
وقلبي كذلكَ
إلّا إذا هجم الحبُّ فهو المشرّعُ للإجتياحْ

السؤال السادس:

وعن تاروت الفينيق.. وعشتار الجمال.. ماذا نقشت على جدار القلب الموشى بالحب.. ومازلنا نردد بيت السيد عدنان العوامي:

تاروتُ جئتكِ مكدود الخطى تعبا
أجرُّ خلفيَ تاريخًا وظلَّ صبا

أبو صادق:

ااايه.. يا تاروت..
في حرم جمالها يحمد الصمت..
وإن كان ولابد فسأتلو لك ما وقّعته.. التآويلُ في الحب.

تيّمتها «تاروت»
ارتبكت على شفتي الحروف
مع المهبّ الساري

«تاروت» يا عمري
وأغلى ما يكون الحبُّ
ما لو نيطَ بالأعمارِ

«تاروتُ»
كم من نخلةٍ
علّقتُ فيها من هوايَ
إلى السما تذكاري

«تاروتُ»

طال بيَ المقامُ وما قضيتُ
من الهوى المعشارَ من أوطاري

- واضح شغفك اللامتناهي.. لهذه الجميلة في مفاتنها

السؤال السابع:

كلما ذكرت القطيف.. حضرتِ الأحساء.. شقيقتان.. تصنعان الألق في رمكانيته عبر العصور..

هل أغرتك الأحساء.. كما فتنتك القطيف.؟!

أبو صادق:

ضربت على الوتر الحساس ياعزيزي..

هي المكان الذي لا أرحل لها لأنها تحيا داخلي.. وهذا ما عبرت به في قصيدتي ”ناقل الحبّ إلى هجَر“:

أحسني نخوها
أمشي على رئتي
حتى ترجى الخطى صدري ليشهقَها

أجيء بالشعر، صنو التمر في هجَرٍ
وهْيَ التي ملأَتْ بالشعر أعذقَها

وهْي التي هندستها الحورُ فاتخذتْ
من جنةِ الخلدِ والفردوس رونقها

«أحساء»
لو كانت الدنيا بكِ اختُزِلتْ
ما خلقتُ أن «عليًّا»
كان طلّلقها

السؤال الثامن:

رغم أن لغة الديوان من السهل الممتنع.. والذي يخاطب مختلف القراء.. رغم مستويات التلقي، ولكن الكل يجمع على أنها لغة راقية وجاذبة لذائقته.

ومع هذا وجدت بعض اللقطات التي تتسم بالأسلوب الغرائبي المحبب.. وقد يصل للفنتازيا أحيانا.. هل كلامي هذا صحيح؟!

أبو صادق:

نعم ربما، ولعللك تقصد في ذلك:

- روحوا افتحوا يدَ شاعرٍ للحبّ
تنبتُ في أصابعه القصائدُ
والمعاني أعجب الأشجارِ
تمتدّ المعاني في أصابعِ كفّهِ جنّاتِ عدْنِ

وكذلك قولي:

- يتملّى وجهك المنحوتَ،
سبحان الذي علّم من وجهكِ تشكيلَ الخزفْ

- فصّلتني
إبرةُ الأيامِ جلبابا
بحجم الشوقِ فيكّ
فتمزّقتُ كثيرًا.. كلما الجلبابُ ضاقْ

الله الله.. يا للروعة.. نعم هكذا تتجلى الصور الممسوسة بالخيال الفنتازي

وبودي لو تردفها بمقطوعة أخيرة

- ما ضرّ
لو كنت قسّطت الجمال هنا
حتى أرتبَ في تركيبتي قطعك

كان الجمالُ غريبا
قبل شهرته
حتى تفتق منه الفنّ واخترعكْ

السؤال التاسع:

الديوان معبأٌ بحكايا الأرض والإنسان في تعالقات إنسانية ووشائج القربى..

وكان للأم مساحة ضافية..

حبذا لو استقطعت مشهدا قصيرا تعبر فيه عن هذه الحميمية مع الوالدة!!

أبو صادق:

حين أشاهد أمي تهزّ رجليها كمن يهدهدُ وليدًا
وهي تغنى ”يا طيبين اللبن“ أعلمُ أنها قلقةٌ جدًا على أحد إخوتي..
ولها كتبت.. أمي تباريح كونية..

وإذا عدتِ من «المولد» بالحلوى
عشتُ يا أمي
تباريح «الكتاكيت» الجياعْ

ويصيح الليلُ في الغرفةِ
ما اصّعدَ إلا صوت مزمار
شجيّ اللحنِ.. من لحمٍ ودمْ

«يا طيبين اللبن بالزين ما أحلاكم
وذا غبتوا عنْ العين حاشا القلب ينساكم
لولو لولو»

السؤال العاشر:

في نهاية المطاف.. لابد أن نختم هذا المشهد.. رغم أن الحديث شهي معك، ولدي الكثير من الوقفات، ولكن لابد وأن نلتزم المساحة والزمن المتاح.

كنت قنّاصا في خلق الحكمة الشعرية.. وتميزت بهذه الثيمة الجميلة. باختصار لو ذكرت لنا بعض شعر الحكمة الذي نحتتها قريحتك الفارعة.

أبو صادق:

- تناثرت قبل أن تتلى مشاعرنا
والحبُّ يصعبُ أن يحكى إذا انتثرا

- هي الأخوة
معقودٌ بها سببٌ
لا خيرَ في هذه الدنيا إذا بُتِرا

- مازالت
أجملَ ما في الجذرِ منْ طمعٍ
مازال أجملُ أطماعِ الهوى طمعك.

- دعينا نمتطي الأهوال
إن لم يكفنا في موتنا هذا شعورُ الحب
كل الكون لا يكفي

أسعدتني كثيرا بلقائك الجميل.. ونلتقي على ضفة الشوق والشعر المعلق على أحداق العشق.