المسؤولية الثقافية؛ نصر الله أنموذجًا

عندما قرأت مقالة الشاعر العراقي عارف الساعدي ”محمد رضا نصرالله.. المؤسسة الفردية في الزمن الشحيح“ بجريدة الرياض 22 مارس 2021م، والتي تحدث فيها عن اصطحاب صديقه الشاعر جاسم الصحيح له في معرض الكتاب ببغداد 2018 ليتعرف على المثقف الكبير محمد رضا الله، فيقول: ”وكانت فاتحة معرفية ونافذة مهمة فتحها له الصحيّح“ تأسيت على حالي ككاتبة تطمح أن تمشي خطى المثقفين السابقين بأن تأخذها رفقة الصديقات نحو نوافذ ثقافية وشخصيات معرفية هائلة الدهشة. استغرقت وقتًا كافيًا في التفكير في: لماذا الكاتبة الشابة تعيش حالة الذاتية المفرطة؟ حتى الأسماء الثقافية المبدعة لا أجدها كعلاقات إنسانية بالمستوى المأمول، هل لأن المرأة المبدعة تعتقد دومًا أنها جزيرة اكتملت سريعًا دون أن تنضج؟ وبالتالي ليست بحاجة لجسور من ذات النوع والدرجة! هل.. وهل.. وهل.. حتى قررت أن أمضي لوحدي وكتبت قصيدة: ”وهل من الشعرِ أن أمضي وحيدة؟“.
وفي مايو 2023 شارك أدونيس الشاعر والمفكر السوري علي إسبر، في لقاء ثقافي حضر له جمهور متعدد الأجيال من القُراء والكُتاب والمبدعين من مختلف الدول العربية ليستمعوا لكلمته، وقد حضر نصر الله بجانب عدد من الشخصيات الثقافية البارزة كما حضرنا ضمن جمهور الكُتاب والمبدعين السعوديين.
وقد شرفني بدعوة كريمة ضمن هذه النخبة، واستقبلنا وأسرته «زوجته الرائعة وبناته الواعدات الدكتورة أوراد والمحامية ريهام وأبناءه فراس وعلاء» وليست المرة الأولى التي ألتقي عائلته، إلا أنها لحظة تؤكد أثر الثقافة في بيئة المثقف ومحيطه اللصيق، الجانب الذي قد يغفل أو يسقط لدى كثير من المثقفين، وهي رسالة ضمنية تقدم درسًا ثقافيًا هامًا يمكن للرائي والمراقب أن يتلقاها بسلاسة وإيجابية، فشكرًا لزوجته السيدة خاتون العوامي ولبناته الراقيات ريهام وأوراد على تلك اللحظات الجميلة والروح الكريمة والكرم النبيل، وقد قلت لزوجته بعد حوار حميم على مأدبة الغداء: صدقًا ”وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة“. وأنتِ خير نموذج، ويسعدني أن أكتب هذا للعالم لأنها امرأة تستحق ذلك.
أما عن الجسر الثقافي الذي يفتحه المثقف العضوي بين الرمز وعناصر الثقافة، فقد تجلى واضحًا بوجود أدونيس بين عناصر ثقافية متنوعة بأجناسها الأدبية وبتفاوت أجيالها، فكان المجال منشرحًا ومنفتحًا للمرأة كما الرجل، وللشاعر كما الفنان التشكيلي، وللشباب الواعد ثقافيا كما جيل المخضرمين. حضر البعض بمؤلفات أدونيس وطلبوا شرف توقيعه، بينما أتى البعض بكتبهم ولوحهم ومنحوتاتهم كمواثيق شكر وامتنان وجسور وصل بينهم والمفكر، تحاور بعضهم معه وبعضهم اكتفى بالإيجاز. هكذا والمفكر والمثقف يجلسون بخفة ومرونة، لم يبقَ المفكر في منطقة المركز والمسرح العالي والبرج العاجي الذي لايصله الجمهور، لم يأتِ ويذهب كلمح البصر دون أن يلتقيه حُراث الثقافة وسواعدها الفاعلة، ولم يتعالَ المثقف ويكتفي بنفحة مقربة من الأصدقاء الذين يعتبرهم من الدرجة الأولى، بل دعا جمعًا نوعيًا من درجات ثقافية متفاوتة وأجناس أدبية متعددة، «أعلى» جنس الإنسان ليشمل الرجل والمرأة، واعترف بحق الحرية والاختلاف ليحتوي التنوع الثقافي والفكري والديني.
فشكرًا للمسؤولية الثقافية التي تأخذ على عاتقها هذا الحمل وتجتهد في الطريق وتفتح الأبواب للجميع وتترك الفردانية تنضح بما فيها.