آخر تحديث: 17 / 5 / 2024م - 2:04 م

ما بعد الوظيفة «1»

أمير بوخمسين مجلة اليمامة

لم يكن على البال أن يأتي يوم التقاعد، وأن تستلم خطاب التقاعد من جهة العمل، ويخبروك بأن آخر يوم دوام لك بعد شهرين من تسليم الخطاب. هذه الحالة وجدتها عند الكثيرين عندما تم تسليمهم خطاب التقاعد وهم مصدومون بهذا الخبر. فكيف سيعيش ويبدأ حياته من جديد بعد السنين التي قضاها في عمله؟ وهو لا يكاد أن ينفك من موقعه وكرسيه، وخصوصا عندما يكون ذا مرتبة رفيعة في عمله، كمدير تنفيذي أو مدير إدارة وغيرها. الكثير من الناس يستبعد من تفكيره مرحلة التقاعد وقت العمل، ويولد لديه إحساس بأن المؤسسة أو الشركة أو الدائرة الحكومية وغيرها ستتأثر وستنتهي عندما يغادرها، وكأن العمل مرتبط به.

فلا يريد أن يصدّق ما حصل له بأن تم تسليم خطاب التقاعد له. ولا يريد أن ينظر إلى أصدقائه الذين سبقوه ودخلوا في نادي المتقاعدين، ويبقى يكابر إلى أن يأتي للواقع الحقيقي بأن ما حصل لأصدقائه قد حدث له وسيعيش ذات اللحظة. لذلك نرى ممن تقاعدوا يستمر في التعبير والتنفيس عن مشاعره عبر ذكر أمجاده وكيف كانت ادارته وعمله، وأنه لولاه لما كان العمل يسير على أكمل وجه، وأنه البطل والإداري الناجح في إدارة ما يفوق 1000 موظف، وغيرها من الأحاسيس والمشاعر التي تعبر عن حزنه لتركه للوظيفة. وقد تراه اثناء عمله يتمنى اليوم الذي يأتي فيه لتسليمه ورقة تقاعده، وطلب الراحة. هذ الحالة وجدتها عند الغالب من الأصدقاء الذين مروا بهذه المرحلة وعاشوها. لذلك أيها المتقاعد عش حياتك بعد هذه المرحلة بوضع خطط جديدة لاستمرارية حياتك، وبدون أن تتأثر سلبا بالفراغ الذي أحدثه تركك للوظيفة، فهناك الكثير من المشاريع والخطط، تستطيع أن تضعها وبرويّة وبعيد عن التشنج والبطولات، فالحسابات هنا تغيرّت وأثناء الوظيفة يختلف ما بعدها. فالبعض يعتبر هذه المرحلة نهاية حياته، فلا يبالي بوضعه ولا يهتم بصحته وشكله، وكأنها نهاية الحياة، وآخر يقضي وقته بملء الفراغ بأي شكل من الأشكال، فلا يستغل وقته في أمور مفيدة، تنعكس على شخصه أو مجتمعه، وتجده متنقلا بين مجلس وآخر بشكل يومي حيث ترى نفس الوجوه وكذلك المواضيع التي يتم تداولها دون طرح أي جديد، وكل ما يطمح له تمضية الوقت. وبعض آخر يستثمر وقته في هذه المرحلة بتعويض ما فاته ولم يستطيع إنجازه اثناء عمله، بالقيام بتحقيق هواياته وما كان يهدف له بإنجازه، ويبدأ بصورة جدّية في السعي بتحقيق ذلك، وتبدأ مرحلة أخرى من حياته بأن يعيش ما تبقى من أيامه بسعادة عبر السعي لتحقيق ما لم يكن يستطيع تحقيقه خلال عمله. البعض من المتقاعدين رأينا نتاجهم الفكري والأدبي والعملي، واستمروا في العطاء في مختلف الميادين والمجالات التي تخدم المجتمع والوطن، ولا زال أثرهم مستمراً، فلم يتأثروا بترك الوظيفة بل أصبحوا شعلة نشاط وشمعة تضيء دروب الآخرين.