آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 4:00 م

الإدمان وفلسفة السعادة..

من الحقائق العلمية المثيرة، والتي ساهمت في فهم سيكلوجية المستهلك، هي علاقة إفراز هرمون «الدوبامين» في الدماغ وشعورنا اللحظي بالسعادة! لذلك أطلق عليه مسمى «هرمون السعادة»، فنشعر بنوع من الارتياح على سبيل المثال حين تناولنا بعض المحفزات، كالقهوة، أو الشوكلاتة، أو ممارسة الرياضة، وغيرها من المتع، واللعب، واللهو والترفيه.

لذا.. استغلت الشركات التجارية هذه المعرفة؛في التفنن بجذب العملاء نحو منتجاتها، والتسويق لها كمصدر للنشوة، والسعادة..

وهكذا نمت مع مرور الوقت ثقافة البحث عن السعادة عبر الآلة الإعلامية الأخطبوطية، وقوتها وسحرها العجيب! فتخيل لنا بمظاهر جميلة، وعصرية جاذبة غاية في الإبداع والجمال.

فروجت آلاف المقاطع المرئية، والمسموعة بطرق علمية مدروسة؛ يمكنها أخذ المتلقي لعالم آخر مريح مليء بالمتعة والسعادة، وخيال مثالي جميل فينساق متأثرًا مقتنعا مبتهجا وبإرادته، فتزداد المبيعات ويزداد معها أعداد الضحايا.

فيتحول المستهلك تدريجيًا دون أن يشعر إلى عضو فاعل في ماكينة المستهلكين «المدمنين».

انساق وللأسف الشديد الكثير وراء سراب المتع المتنوعة من حيث يدركون أو لا يدركون، فتحولوا إلى قطيع من المدمنين، فمنهم من أدمن على الكافيين، أو الألعاب الإلكترونية، وغيرها …

لقد انسحبت بشكل أو بآخر آلية الإدمان، وعممت في أسواق الاستهلاك التجاري..

بلا شك أن الإدمان على المواد المخدرة له خصوصياته، وظروفه وخلفياته المختلفة، والخطرة على الفرد، والمجتمع، إلا أنه يلتقي مع غيره من أنواع الإدمان المختلفة، في سيطرة فكرة الحصول على اللذة، والجري واللهث وراء سرابها.

فتجذب ضحاياها، كما يجذب نور المصباح الفراشات …

فيتجه صاغرا نحو دائرة الضياع، والتيه فكم من تائه في أوهام السعادة الزائفة؛ حتى تفسد حياته، فيخسر صحته، وأمواله، ويجد نفسه وقد وقع في كمين محكم يصعب الخروج منه.

ولكن هل هذا يمكن أن يفسر لنا بعض من السلوكيات السلبية، التي لا نفهم دوافعها أحيانًا حيث تتشابك، وتتداخل الأسباب، والظروف المحيطة بالأفراد فيمكن أن نفسر ساعات طويلة على الشبكة العنكبوتية والتعلق بألعاب مبرمجة بإدمان شعور السعادة.

خاصةً وقد صممت هذه الألعاب على فهم طبيعة السلوك البشري، فتضمنت بعضها على مكافآت، وحوافز فكلما حقق اللاعب مستوى معيناً حصل على تعزيز، ودعم فينغمس تدريجيًا في دوامة لا تنتهي من الضعف بين ترك هذه الألعاب والعودة إليها.

فهم بعض المراهقين هذا، ولكنه يفضل إدمان المتعة على الملل والكآبة!.. فلا يوجد بديل منافس يمتلك خصائص هذه الألعاب ويكون آمنًا ولا يؤدي إلى إدمان الإنترنت والألعاب الإلكترونية.

وقد نجد رجل ستيني أحيطت حياته بالضغوط المختلفة، ففقد عنصر البهجة، والمتعة في حياته، قد بدأ بالتفكير بالزواج، وتعدد الزوجات، بل وربما عاد به الحنين لعلاقات رومانسية، ورحلات سفر ومغامرات غير محسوبة، وزواجات غير متكافئة …كل ذلك للخروج من مشاعر الضيق وفقدان البهجة، والملل لعله يكسر شعور الجمود والروتين والكآبة.

وهناك أيضًا من يريد القفز من مشاكله العنيدة، والمتعددة فيسقط في براثن الإدمان على المخدرات، فجميع هؤلاء ظلوا الطريق الصحيح، وساروا وراء سراب.

فما هي السعادة الحقيقية وأين نجدها إذن؟

وهل العقل يولد السعادة؟

بما أن العقل هو مصدر الأفكار فهل إنتاج الأفكار الإيجابية يشعرنا بالسعادة؟

فإن كانت أفكارنا إيجابية اتجهت حياتنا نحو السعادة، والعكس صحيح.

فالتعامل الإيجابي، والاعتدال يعد بمثابة قوة توازن، تساعدنا في الثبات، وعدم الاهتزاز، والسقوط في وحل الأفكار السلبية، وتجنبنا الكثير من الألم والتعاسة.

وقد قال الحكماء والفلاسفة قديمًا الكثير في ذلك،

فالسعادة من منظور أرسطو تعتمد على تحقيق الفضيلة، وهي هدف أساسي في الحياة، والتي يتطلب تحقيقها عدة أمور، منها الصحة البدنية، والعقلية ….

وأما بنظر أفلاطون فهي ”يجب أن تقوم على نوع معين من التناغم والانسجام بين الرغبات والأهداف“.

ومن منظور إسلامي هي قائمة على العمل الصالح، كقاعدة أساسية للحياة الطيبة، والتي تتوج في الآخرة بالأجر والفوز بالجنة.

قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ النحل: 97]

ويمكننا التبسيط والاختصار، والقول كما أرى وقد أكون مخطئًا أن جوهر السعادة، يكمن في التوازن العام بين أفكارنا وبما نقوم به من أعمال في الواقع، بمختلف جوانب الحياة، ولا يتحقق ذلك التوازن بطبيعة الحال إلا بتهذيب النفس، وعدم مخالفة قوانين السماء والأرض.