آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 7:06 م

التضحية بالبنوك لمكافحة التضخم! «6»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

ما الذي سيحدثه رفع سعر الفائدة على الدولار واليورو للقطاع المصرفي؟ ترى في تقرير صدر لها منتصف هذا الشهر «مارس 2023»، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن سعر الفائدة المرتفع بدأ يؤثر على أجزاء من القطاع المصرفي بما في ذلك البنوك الإقليمية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك قد تكون تأثيره أقوى على النمو الاقتصادي في حال استمرار سعر الفائدة المرتفع.

على صلة بالاعتبارات الخمسة التي تناولها هذا الحيز بالأمس، فالاستمرار في رفع سعر الفائدة يعني أولاً التضحية بالنمو الاقتصادي حيث يتوقع مكتب الميزانية في الكونجرس معدل نمو حقيقي للناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في حدود 0,10% «عُشرّ من الواحد بالمائة» للعام 2023، أما التوقعات الأكثر تفاؤلاً تقل عن 1 بالمائة، ولما دون الصفر في الربع الثالث 2023. ولن يعاود التحسن إلى مستويات أعلى من النمو إلا عند تراجع سعر الفائدة، ويتوقع أن يحدث ذلك في العام 2024 وما بعدها. ورغم أن توقعات المنظمة أعلاه لنمو الاقتصاد الأمريكي تقف عند 1,5 بالمائة للعام 2023 إلا أن نموه سيتراجع إلى 0,9 بالمائة في العام 2024، علماً بأن نموه بلغ 2,1 بالمائة في العام 2022 متراجعاً من 5,9 بالمائة، وهكذا نجد تباطؤ الاقتصاد على مدى سنوات متتابعة. وبالنسبة لمنطقة اليورو فنموها الاقتصادي بلغ 3,5 بالمائة في العام 2022، ومتوقع أن يتراجع إلى 1,0بالمائة العام 2023 ويتحسن إلى 1,6 بالمائة العام 2024.

وثانياً، سيعني الاستمرار في رفع سعر الفائدة التضحية باستقرار القطاع المصرفي بسبب أن البنوك - حتى تتحصن ضد المخاطر - ستتبع سياسة إقراض أكثر تحفظاً، فمن الثابت إجمالاً أن السياسة النقدية التوسعية «أسعار فائدة منخفضة» تؤدي لزيادة حجم الإقراض في الاقتصاد، والعكس بالعكس. لكن لماذا نربط استقرار القطاع المصرفي بأسعار الفائدة؟ انطلاقاً من أن خطر الإقراض هو الخطر الرئيس لأي بنك، وأن أسعار الفائدة المرتفعة قد تؤدي لزيادة ربحية البنك من جهة، لكن في الوقت ذاته تؤثر سلباً على ربحية المقترضين بسبب ارتفاع تكلفة رأس المال، مما يدفعهم لتفادي الاقتراض - ما استطاعوا لذلك سبيلاً - مما يؤدي بالتالي إلى تراجع نمو الاقتراض، وبالتالي ربحية البنك! ليس ذلك فقط بل قد يؤدي إلى تراجع قيمة الودائع نتيجة أن العملاء يتجهون إلى استخدام أموالهم تفادياً للاقتراض المُكلّف، مما يؤثر كذلك على ربحية البنك نتيجة لتراجع الطلب على القروض. وبعيداً عن التعميم، لنأخذ حالة محددة وهي بنك“سيليكون فالي”، نجد أن ودائعهُ بقيت تنمو حتى بداية العام 2021 ثم أخذت في الانكماش دونما توقف، ومن ناحية أخرى فإن رفع سعر الفائدة تأثيره عكسي على سوق السندات، فكلما ارتفع سعر الفائدة تراجع سعر السندات الحالية وأصبحت السندات المُصدرة تواً «الجديدة» أكثر جاذبية كون أن عائدها أعلى لارتباطه بسعر فائدة أعلى. وعليه، فتراجع سعر سندات الخزينة الأمريكية سبَبَ خسائر فادحة لمحفظة البنك من سندات الخزانة طويلة المدى «10 سنوات»، ولم يكن أمام البنك من خيار إلا بيع تلك السندات بأسعار متدنية لدفع أموال المودعين الذين كانت سحوباتهم بمئات الملايين والمليارات دفعةً واحدة، حتى وصل إجماليها إلى 41 مليار دولار في يوم واحد. «يتبع»

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى