آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

مِنّ التأسيس إلى الرؤية: ثباتٌ على استنهاض مكامن القوة

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

عاش بلدنا مخاضاً منذ التأسيس قبل ثلاثة قرون، حفل ليس فقط بالتحديات بل كذلك بالمُهددات والمخاطر، وهزمها بتوفيق الله أولاً ثم بالعزم والإرادة والإدارة، وكان التحدي الكبير دائماً هو العمل لغدٍ أفضل. وفي حاضرنا الطموح، في هذا العهد الزاهر شهدنا خلال سبع سنوات مضت كيف أخذت الرؤية مكانها لتتصدر المشهد لتأخذ الوطن لغدٍ أفضل، فقد كشفت الرؤية معالم طريقٍ مؤدية لتحقيق مستهدفاتٍ طموحة.

قبل أعوام قليلة، أعلنت «الرؤية السعودية 2030» مستندة إلى ثلاث ركائز هي: العمق العربي والإسلامي، وقوة استثمارية رائدة، ومحور ربط للقارات الثلاث. وتقوم «الرؤية» على ثلاثة محاور، هي: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، ولكل من هذه المحاور منطلقات أكثر تفصيلاً، فمثلاً محور «اقتصاد مزدهر» يتطلع لتحقيق: اقتصاد فرصة مثمرة، واستثماره فاعل، وتنافسيته جاذبة، وموقعه مستغل.

وإذا تابعنا مع محور «اقتصاد مزدهر» وتطلعاته، نجد أنها تقوم على توجهات محددة، بحيث إن كل تطلع يحقق توجهات محددة، وبالتالي يصل لتحقيق هدف من أهداف الرؤية. فمثلاً عند الحديث عن «الفرص المثمرة»، نجد أن لذلك أربع توجهات، وهي: دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، استقطاب الكفاءات، التعليم من أجل العمل، وتنمية الفرص، وهذه مجتمعة تؤدي لتحقيق هدف محوري من أهداف «الرؤية السعودية 2030» وهي تخفيض معدل البطالة من 11,6 بالمائة إلى 7 بالمائة. ونجد بعد مضي سبع سنوات أن وتيرة الإنجاز تدور، فقد تراجع معدل البطالة إلى 9,9% نهاية الربع الثالث 2022.

والانجاز لم يترك للصدفة، بل تدور عجلتهُ بمحركاتٍ هي برامج تحقيق الرؤية، فمثلاً كيف سنرفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى 10 تريليون ريال بحلول العام 2030، أخذاً في الاعتبار أنه هدف رئيسي من أهداف الرؤية، وله ارتباط مباشر في تحقيق اقتصاد مزدهر للمملكة؟ نجد أن الإجابة تأتي من خلال عرض توجهات محددة تتصل بتعظيم القدرة الاستثمارية، وإطلاق قطاعات واعدة، وتخصيص الخدمات الحكومية. وعلى صلة وثيقة بالاستثمار الفاعل، تحسين مناخ الاستثمار، وفي هذا السياق بينت وثيقة الرؤية المفصلة، أن تحقيق اقتصاد مزدهر يمر عبر بوابات احداها التنافسية الجاذبة، وهذه تتحقق من خلال توجهات أربعة: تحسين بيئة الأعمال، فهي غير منافسة حالياً أخذاً بتطلعات الرؤية ورغبتها في رفع نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 30 بالمائة، وتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5,7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد ثبت عزم المملكة على استنهاض قوتها الاستثمارية الكامنة من خلال ما أعلنه سمو ولي العهد من أن الضخ الاستثماري حتى العام 2030 سيصل إلى 27 تريليون ريال، موزعةً: 3 ترليون من صندوق الاستثمارات العامة، 5 تريليون من برنامج“ِشريك”للشركات الكبرى، 4 ترليون تجلبها تحقيق الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، و10 تريليون إنفاق حكومي، 5 تريليون إنفاق استهلاكي. وبالقطع فاستقطاب الاستثمار يتطلب نمواً اقتصادياً وتحسن في بيئة الاستثمار، وفي هذا السياق فقد حقق الاقتصاد السعودي نمواً 8,7 بالمائة خلال العام 2022، كما أن التصنيف السيادي من قبل وكالات التصنيف العالمية الثلاث «موديز، فيتش، وستاندرد أند بورز» مرتفعة وذات مستوى استثماري، وهي على التوالي: A -، A، A1، كما أن مؤشر بي إم أي «PMI» الواسع التأثير عالمياً، حصل فيه اقتصاد المملكة في يناير 2023 على درجة 58,2% مرتفعاً من 56,9% في ديسمبر 2022، علماً بأن إحراز قيمة فوق 50 يعني توسعاً «نمواً مستقبلياً» في قطاع الصناعة وقطاع الخدمات، القيمة 50 تعني سيبقى النمو على حاله، وأقل من 50 يعني تباطؤاً.

أما التوجهات الثلاثة الأخرى فهي: إعادة تأهيل المدن الاقتصادية، وتأسيس مناطق اقتصادية خاصة، ورفع تنافسية قطاع الطاقة. بهذه التوجهات تطمح الرؤية لرفع مساهمة القطاع الخاص من 40 بالمائة إلى 65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتعول الرؤية عالياً على تعظيم الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للمملكة لتحقيق عدد من أهدافها. ويبدو أن الجهد المنسق يتجسد في ثلاث توجهات: إنشاء منصة لوجستية مميزة، والتكامل الإقليمي والدولي، ودعم الشركات الوطنية. ومن خلال تفعيل هذه التوجهات سيمكن المملكة من استغلال موقعها الجغرافي ليتمكن الاقتصاد من رفع نسبة الصادرات غير النفطية إلى 50 بالمائة على الأقل من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى