آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:38 ص

الفرد والجماعة

أمير بوخمسين مجلة اليمامة

إن العلاقة بين الفرد والجماعة قائمة على واجبات متبادلة بين الطرفين، فالفرد مدين للمجموعة بواجبات، والمجموعة مدينة للفرد بواجبات، ولا يتاح للإنسان أن ينمي شخصيته نموا كاملا حرا الا داخل الجماعة.

ومن سنن الحياة أنها قائمة على الأخذ والعطاء، والحقوق والواجبات صورة بارزة من صور الاخذ والعطاء. فالفرد في الوقت الذي له حقوق عليه واجبات، وبانتظام هذه المعادلة تنتظم الحياة وتشيع العدالة الاجتماعية، أما إذا اختل ميزان الحقوق، أو الواجبات أو كليهما، اختلت المعادلة. ويمكن القول بصورة عامة إن جل الازمات - على أنواعها - التي حدثت وتحدث في العالم ترجع إلى عامل أساسي - من جملة عوامل أساسية - وهو ضياع العدالة، سواء فيما يرتبط بالنظام الدولي، أو بالنظام السياسي، أو بالنظام الاجتماعي بصوره، أو بأية صورة من صور الاجتماع، بل وحتى فيما يرتبط بالنفس.

فالعدل - كمبدأ أساسي - لا بد من أن يدخل طرفا في جميع أوجه وصور العلاقات والمعاملات الاجتماعية، فالوالدان مع الولد ينبغي أن يأخذا بالعدل في تحمل مسؤولياته ومعاملته، وهو بدوره ينبغي له أن يأخذ بالعدل في علاقاته بهم ومعاملته لهم، والمعلم ينبغي أن يكون عادلا مع تلاميذه وتحمل مسؤولية التعليم، وهم بدورهم عليهم أن يكونوا عادلين في علاقتهم به ومعاملتهم له، والمدير المسؤول عليه أن يكون عادلا مع موظفيه وفي تحمل المسؤوليات العظيمة تجاههم، وهم بدورهم عليهم أن يكونوا عدولا معه، والأمور في الحياة ينبغي أن تكون كلها على هذا لكي تسود العدالة الاجتماعية ويعم الخير والرفاه.

وإذا كان العدل مع النفس واجباً، فكيف مع الجماعة التي تمثل كيانا مستقلا، وكل فرد فيها يمثل وحدة مستقلة بحد ذاتها؟ أليس - والحال هذه - من الضروري أن يحفظ للجماعة استقلاليتها، واستقلالية كل فرد فيها بإيفائه حقوقه دون إنقاص؟

والجماعة قد تتعدد معانيها، فهي إطار اجتماعي يتألف من الأفراد، فالأسرة، والجمعية، والحزب، والمجتمع - ككل - يسري مفهوم الجماعة عليها، بناء على أن الفرد يمثل وحدة عضوية فيها. فلو تصورنا أسرة أو جمعية أو حزبا، أو مجتمعا، أو أي صورة أخرى من صور الجماعة، يوفي الفرد فيها حقوقه، ولكنه لا يلتزم بواجباته، فإن دور الفرد يكون والحال هذه معطلا، وبتعطيل هذا الدور تنعكس الآثار بالسلب على شخصية هذا الفرد ونموها، كما تنعكس على الجماعة عموما، وذلك للرابطة العضوية والتأثير المتبادل بينه وبينها، وكل ذلك يرجع إلى تعطيل مبدأ العدالة. اذ يقتضي مبدأ العدالة ألا تكون ممارسته حقوقه - أو حصوله عليها - وسيلة للنيل من حقوق الآخرين وحرياتهم المشروعة، فحقوق الإنسان وحرياته في الوقت الذي يجب ألا تضره شخصيا، في الوقت ذاته يجب أن لا تصطدم مع حقوق وحريات الجماعة، وأن لا تضر بها، وكما تقول القاعدة القانونية: «لا ضرر ولا ضرار». ومن هنا فإن القوانين العادلة تحرص على تقييد الأفراد فيما يتصل بالجوانب التي تمس حقوق الآخرين، وتتعدى عليها، لتبين حدود حقوق وحريات الأفراد، تلك الحدود التي إن لم توجد، تتضارب فيها الحقوق والواجبات وتتشابك وتتنازع، ويتجه المجتمع إلى الاضطراب وتتفشى فيه المظالم، وخروق وانتهاكات الحقوق.