آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 4:55 م

سيرة نخلة…توثيق اجتماعي تاريخي لسيرة الوجيه الحاج طاهربن علي الغزال

الشيخ حبيب آل جميع *

عرض: حبيب آل جميع
الكتاب: سيرة نخلة…الوجيه الحاج طاهر بن علي الغزال
الكاتب: سلمان حسين الحجي
الناشر: دار روافد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
سنة النشر: ط1 - 1444 هـ - 2023م
عدد الصفحات: 306 صفحة، قياس «17*24سم»

بين أيدينا كتاب أشبه بالمذكرات قام بتدوينها الأستاذ الباحث سلمان بن حسين الحجي، رصد من خلالها مجموعة من المواقف والذكريات التي توثّق التاريخ الاجتماعي الأحسائي من خلال ذاكرة الحاج الوجيه طاهر بن علي الغزال ورؤيته، وقد برز في هذه الذكريات العديد من الأحداث التي مرّ بها الإنسان الأحسائي خلال القرن الرابع عشر الهجري من التاريخ الشفهي غير المكتوب والمرصود في بطون الكتب، ليكون بذلك مثالاً للراوية الأحسائي المعتمد، الذي امتلك ذاكرة حية ودراية واسعة بالأحداث، من خلال مادة تاريخية تنفع الباحثين في قادم الأيام.

وقد تناولت هذه الذكريات بعض الأحداث المهمة التي تجسد الحياة الأحسائية بعيدًا عن المزايدات والمبالغات من التناغم الاجتماعي الذي تعيشه الأحساء بين أطيافها المذهبية المختلفة، إلى حياة ونشاط بعض علماء الأحساء مما فات ذكره في كتب التراجم كالشيخ محمد بن حسين أبو خمسين والشيخ موسى أبو خمسين وغيرهم الكثير من علماء الأحساء.

كما نجد أنَّ الحاج طاهر الغزال كشف الكثير من العلاقات الاجتماعية بين رجالات وأعلام ووجهاء الأحساء، دون أن يغفل رصد بعض المواقف والأحداث التاريخية والاجتماعية التي وقعت في الفترة التي عاشوا فيها، وكان هو جزء في البعض منها، وفي الجانب الآخر نجد أنفسنا نبحر مع هذا الرجل في ذكرياته وجهاده لخدمة أبناء بلده الأحساء والتي تكون في بعضها تكشف لأوّل مرة.

وحقيقة مثل هذه الكتابات التي ترصد حياة شخصيات غير علماء الدين سواء من وجهاء أو تجار أو حرفيين أو ناشطين اجتماعيين أو أدباء وشعراء تشكل جهة مهمة مغفول عنها كثيرًا في كتاباتنا التاريخية التي تتمحور غالبًا حول رجال العلم وأصحاب الفضيلة، بينما يتغافل عمن أسهم في بناء المجتمع وتغييره من غيرهم، وهذا لوحده بغض النظر عمّا تتضمنه من فوائد يعد ظاهرة رائعة وممتازة تتناول زوايا وخبايا اجتماعية مهمة وقد يكون بوابة لبحوث تكتب في المستقبل للدراسات الاجتماعية عن منطقة الأحساء وتاريخها، لأن كل شخصية تمثل حياة وبيئة خاصة عاشتها قد تكون المسلمات عندنا اليوم في غاية الأهمية بعد عدة عقود من الزمن وتكبر الأهمية كلما غاصت في الماضي أكثر وأكثر.

تضمن الكتاب ثلاثة فصول وهي كالتالي:

الفصل الأوّل:

وقد عنونه المولف ب «لمحات من سيرة الوجيه الحاج طاهر الغزال»، وهو عبارة عن مجمل ما دار في اللقاء الخاص بين المؤلف والحاج طاهر الغزال رحمه الله تعالى، مستعرضًا فيه أبرز المحطّات في حياته بشكلٍ مفصّل، ولافتًا إلى عدد من اللقاءات ذات المستويات العليَا التي التقى فيها مع الملوك والأمراء والوزراء والمسؤولين، ويعتبر هذا الفصل نواة الكتاب وركيزته.

وتطرق في الفصل الثاني:

إلى «أصداء الرحيل»، وهو فصل هام جدًّا لما يتضمّنه من قراءة للوجيه الحاج طاهر من مختلف الطبقات الاجتماعيّة والنخب الثقافيّة، واشتمل هذا الفصل على الآتي:

  • برنامج التأبين
  • شهادات حيّة
  • شهادات عبر الأثير
  • إضاءات ساطعة
  • المراثي الشعريّة

وتضمن الفصل الثالث:

على «ملحق بالصور والوثائق»، وهو عبارة عن رصد لأبرز الصور للوجيه الحاج طاهر والتي جمعته في لقاء أو مناسبة أو موقف، كذلك احتوى هذا الفصل عرضًا لبعض الوثائق والمستندات التي تتعلّق بمسيرته رحمه الله، ومما له علاقة بما تحدّث عنه المؤلف في مطاوي الكتاب.

وكان الحاج طاهر الغزال من الشخصيات الناجحة والمتمدّدة في المجتمع وسنسلط الضوء على أبرز صفاته ومزاياه، وهي كالآتي:

أوّلاً: روح المبادرة:

حيث لم يتوانَ عن العمل الحثيث والمبادرة السريعة في كل قضية يجد نفسه أهلاً للتصدي لها دون انتظار دعم أو تشجيع من الآخرين، وإنما دافعه حب الوطن والأنا الجمعية التي تشعره إن هموم الآخرين همومه، وقضاياهم قضيته، لذا لا يتلكأ ولا يتكاسل في جمع العدة لكل مسألة اجتماعية بحسبها وما تقتضيه، ويبادر في إيجاد الحلول لها.

ثانيًا: الجرأة:

من الملاحظ عند استعراض سيرة الحاج الوجيه طاهر الغزال أنّنا نرى أنّ معظم القضايا التي تصدّى لها - رحمه الله - هي المرتبطة بكبار الموظفّين والمسؤولين في الدولة، والتي كان التواصل معهم يتطلّب الذهاب إلى الإمارة في الرياض أو الدمام أو الأحساء، وذلك لفك لبس أو توضيح مسألة أو تقديم خطاب ألتماس أو بث شكوى، ومثل هذه الإدارات تحتاج إلى فهم ودراية وقدرة على الكلام والبيان والتوضيح والرد، والحاج طاهر يشهد كل من شاركه في سفراته أو مناوراته بقدرته الكلامية وامتلاكه رباطة الجأش في بيان المراد بأقصر كلام وأوضح بيان.

ثالثًا: سرعة البديهة:

في بعض المواقف قد نشهد في محضر المسؤول الكبير في الدولة سواء أمير أو وزير أو صاحب منصب ورود استفسارات معيّنة، أو تطرأ مواقف تحتاج إلى جواب رصين ورد مباشر تجاه بعض الأمور التي وقع فيها اللبس، وفي مثل هذه المواقف نجد البعض يتلكأ أو يتردد في الإجابة مما يضعف القضية التي قدم الوفد من أجلها، بينما عرف عن الحاج طاهر الغزال هذه السمة التي تعد واحدة من أبرز ملامح شخصيته الاجتماعية، بحيث يردُ مباشرة بالكلام الفاصل الذي يقنع الطرف الآخر فلا يبقى مجالٌ للاعتراض.

رابعًا: الهمة العالية:

كان الحاج الوجيه طاهر الغزال يمتلك همة الشباب، وروح الفتيان في العمل الدؤوب والسعي الحثيث لإنجاز مساعيه الخيّرة وأعماله الخدماتية المرتبطة بالشأن الاجتماعي، سواء في تخفيف معاناة مسجون أو تحقيق مطالب أو التماس مسألة، دون ملل أو تذمر، بالرغم من تقدّمه في العمر، حيث أخذت منه السنون مأخذها، وتكالبت عليه الأمراض، وأثقلته الهموم.

لذا يرجع إليه الكثير من طلاب الحاجات وأصحاب الشكاية لفك عثرتهم، والخروج من محنتهم، بل حتى كبار الشخصيات في المجتمع والوجهاء كانوا يثقون في حنكته وحكمته وقدرته الحجاجيّة ما جعله الناطق عن الجماعة والوفود الأهلية.

خامسًا: الحكمة والرؤيا الثاقبة:

أمتاز العم الحاج الوجيه طاهر بن علي الغزال بحكمة الكبار الذين محّصتهم التجارب، وصقلت حياتهم بحلوها ومرّها، مما أكسبه خبرة ودراية واسعة بالناس والأمزجة، ومعالجة القضايا وحلها، وتقدير المواقف بقدرها، مما جعله يبني مواقفه ورأيه وفق تجاربه وخبرته.

فكان مما قام به أن كرّس هذه الخبرة والرؤيا الثاقبة لخدمة أهله ومجتمعه، فتارة بتقديم الرأي والمشورة التي تختصر الكثير من الزمن والجهد، وحينًا في المبادرة واختيار الحل الناجع الكفيل بتخطي الأزمة الخاصة على مستوى الفرد، أو العامة على مستوى المجتمع.

سادسًا: شبكة العلاقات الواسعة:

كما للأبواب مفاتيح، وللطرق مداخل تُسلك من خلالها، كذلك لبعض الشخصيات قنوات خاصة يمكن عبرها النفاذ إليها والإسهام في تسريع حلّ وحلحلت القضايا الكبيرة إلى أن تصبح سهلة ويسيرة.

والحاج طاهر الغزال - رحمه الله - كان مدركًا لأهمية كسب الأصدقاء والتودّد لهم، والتوسّع في صناعة العلاقات الأفقية والعمودية بما يخدم أو يسهل معالجة المسائل، لذا يلحظ من احتك به أو اقترب من قلبه مدى علاقاته التي تجاوزت في الداخل الأحسائي أطاره الضيق مدينة الهفوف إلى مختلف القرى والمناطق المحيطة، ومن مفهوم الجماعة الصغير إلى مختلف أطياف الأحساء بمذاهبهم المتعددة وانتمائهم الفكري، فهو يحترم الأنسان لإنسانيته لا لمعتقده وأسرته، أو حتى مناطقيته.

ثم تجاوز ذلك لكسب صداقات في مختلف أقطار الخليج في الكويت وقطر والإمارات والبحرين والرياض والمدينة المنورة، وغيرها، فكان كمن شيد له في كل بلدٍ دار وأخوة يحبهم ويحبونه، يحنّ إليهم ويحنون له.

سابعًا: الذاكرة التاريخية:

امتلك الحاج طاهر الغزال ذاكرة تصويرية وتاريخية كبيرة تجسد الحياة الأحسائية بأبعادها المختلفة سواء البعد السياسي منها، أو الاجتماعي أو العادات والتقاليد أو الحياة الاقتصادية والثقافية، أخذ بعضها من تجاربه ومشاهداته الشخصية، وشطرًا منها عن آبائه ورجالات أسرته، والبعض من علاقاته الاجتماعية الكبيرة في الداخل والخارج، إضافة إلى احتكاكه بكبار السنّ والشيبة، فسمع حكايات ممن عاصرَ وجايلَ من شخصيات ورجالات في المجتمع الأحسائي.

هذا الإرث والرصيد التاريخي جعل منه أحد منابع التاريخ الشفهي الأحسائي، يرجع إليه الباحثون والكتّاب لرصد ما فات رصده أو التأكد من بعض المعلومات التي تتناقل بين الناس ومدى صحتها، بل أصبح المرجع والمصدر الوحيد للعديد من المواقف للعلماء وأعلام البلاد نتيجة علاقاته الواسعة وقربه منهم.

كل هذه النقاط جعلت من الحاج الوجيه طاهر الغزال شخصية استثنائية جديرة بأن تنال اهتمام الباحثين برصد حياته ومعرفة معالمها التي ربما تكون المفتاح لفهم بعض قضايا المجتمع والأحداث التي عصفت به خلال القرن الماضي بعد أن رحل رجالاته ولم يبقَ إلا ذكرهم.

رئيس تحرير مجلة الساحل