آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

محاربة التمييز في التراث

أمير بوخمسين

في تراثنا الإسلامي الكثير من النصوص الشرعية، التي تؤكد روح المساواة، ومحاربة التمييز، فرسول الله ﷺ يقول بأن «النساء شقائق الرجال» بمعنى الاشتراك في أحكام كثيرة وحقوق كثيرة إلا ما ورد في تخصيصه بحكم الطبيعة التكوينية للمرأة أو للرجل، وإلا ففي المبدأ العام في الحياة لا تمييز بينهما ولا فرق إلا بما يخص طبيعتهما البيولوجية، وهذا مبدأ إنساني، وقد أكد الإسلام على المساواة والتي تعد نقيض التمييز، تأمل هذا الحديث: «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى»، وأن «المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتحابيهم كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو اشتكى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى».

إن الإسلام محا كل أثر للعبودية السابقة، وصار العبيد المحررون فيه على مستوى واحد مع الناس الأحرار، لا تمييز بينهم ولا تفريق، فالعبد المحرر له الحقوق نفسها التي لآخرين، فإن كان كفؤا وصل إلى أعلى ما يمكن اليه أقرانه من الأكفاء، لا تتنقص عبوديته السابقة ذرة واحدة من مكانته التي يستحقها في المجتمع الإسلامي.

لذلك رأينا عبداً محرراً مثل زيد بن حارثة يعهد اليه الإسلام بالقيادة العامة لأول جيش يرسله الرسول إلى خارج الجزيرة العربية، ويضم إلى هذا الجيش جميع شبان الطبقة الارستقراطية السابقة، هذه الطبقة التي كانت متمثلة في قبيلة قريش التي كانت ترى نفسها فوق جميع الناس، وأن لها وحدها السيطرة عليهم، وقيادتهم.

لقد ضم الإسلام جميع شبان قريش جنوداً، مجرّد جنود عاديين، يأتمرون بإمرة العبد السابق زيد بن حارثة ليبرهن للعالم كله أن هذا العالم قد دخل في دور جديد من أدوار الحياة، لا مكان لأحد فيه إلا بمقدار ما يكون عليه من الصلاح والكفاءة، وأن من كان عبداً سابقاً لا يمنعه ذلك من أن يصل إلى ذروة القيادة إذا كان أهلاً لذلك. ولأمر ما ضمّ النبي محمد ﷺ إلى الجيش ابن عمه جعفر بن أبي طالب. لقد كان جعفر أهلا للقيادة العامة، ولكن النبي ﷺ تعمد أن يجعل القيادة لزيد بن حارثة، وألا يجعلها لجعفر، ليؤكد خطته الجديدة، بأن العبد السابق الكفء المخلص يمكن أن يكون الأول في القيادة حتى لو كان بين من يقودهم رجل من أعراق الناس نسباً، ومن صميم أسرة الرسول نفسه. وبلال الحبشي، هو مثال على محاربة الإسلام للتمييز على أساس اللون والعنصر أو العرق، وغير ذلك، وعلى حرصه على توفير الفرص المتكافئة.

ولم يتم تكريم العبيد المحررين أعظم من هذا التكريم الذي يصعد فيه واحد منهم على سطح أقدس مكان ليعلن البلاغ الرسمي الأول بعد الفتح. وإذا كانت الأرستقراطية القرشية قد ذلّت بعد الفتح وانتهى أمرها، فإن حقدها واستفظاعها لما حدث لم يزل ولم ينته أمره، فقد قال قائل من القرشيين: «ألم يجد محمد غير هذا الغراب الأسود ينعب في سمائنا بما نعب به؟».

هكذا حارب الإسلام التمييز، وإن تعسرت بعض الحالات فقد تم معالجتها تدريجيًّا كما في نظام العبيد حينما بدأ الإسلام إزالته، لم يكن بشكل تام، بل استمر حتى تحرر الإنسان من أشكال الرق.