آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

الثقافة الشعبية والتطور

أمير بوخمسين

ينظر البعض للثقافة الشعبية كنوع من الفلكلور والمهرجانات التي يتم إحيائها من خلال الفعاليات المستمرة التي تقيمها الدولة أو المجتمع بين فترة وأخرى، وذلك عبر استعراض الموروث الشعبي المتمثّل في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفنية. وهي انعكاس لتاريخنا وتخليدا لماضينا، إذ أن الثقافة الشعبية هي شخصيتنا العفوية التي لم تستهلكها حياتنا العصرية ولم تزينّها الحضارة الحديثة، لذلك قال العلامة عبد الله العلايلي ”أهم ما في الثقافة الشعبية أنها تعبّر عن أعمق مفاعيل التطور الكامنة بأكثر مما يعبّر عنه الأدب الأنيق الذي هو أدب افتعالي، إذ إنك تفتعل بعض مقوماته لأنه يعرضها على العقل والعقل قامة ثقافة رفيعة وليس ثقافة عفوية كالثقافة الشعبية التي تعبّر عن نداء التطور. أي أن قيمة الإنسان ليست في التغيير الذي يفرضه التطور. التطور يفرض تغييراً. لكن قيمتك كإنسان أنك تعين التطور على عمله، فيكون لديك مخاض يعين التطور على عمله“.

لذلك إذا كانت الثقافة الشعبية من نتاج الشعب أي منه وإليه، فإن هذا النتاج لن يتوقف مهما تعرضت الحياة الحديثة وأساليبها لهذا التراث فلن يندثر، لأن كل أدب وحرف شعبية هي ثمرة تراكمات اجتماعية نابعة من حراك اجتماعي تاريخي، وهي انعكاس لتاريخ طويل انطوت فيه الكثير من الأحداث، وبالتالي تتطلع المجتمعات لحفظ تراثها عبر كافة الوسائل، ولا يخلو مجتمع من المؤرخين واهل السيرة الذين يعتبرون خط الدفاع الأول لحفظ هذا التراث والثقافة الشعبية. ولعل اهتمام الدول والمجتمعات في احياء التراث والفلكلور الشعبي في مختلف المدن والمحافظات دليل على أن إحياء الثقافة الشعبية لا يعني إحياء أدوات التراث والعودة إلى البدائية في التعاطي مع العالم، ولا تعني الرضوخ لمظاهر التخلف أو المعتقدات غير المعقولة أو الأفكار البالية. فلا تنافي بين الثقافة الشعبية والتطور والتحديث، إذ أن الثقافة تعني جزء من التراث، والخلفية الفكرية والحضارية للتراث وليس التراث نفسه، هي الفكر الذي يقبل التراث أو يرفضه، فمثلاً لبس المداس وبيت الطين والخيمة من التراث لكنه ليس من أدوات الثقافة، فلم يعد هناك تاريخ أو جغرافية أو اقتصاد منفصل أو مستقل بل أصبحت كل الأمور الأخرى متداخلة لتشكّل أمراً واحد هو الإنسان على هذه الأرض. فالتراث والثقافة الشعبية هما اللبنة الأولى للتطور والتحديث الذي حصل للكثير من الدول والمجتمعات التي استفادت من تاريخها وتراثها.