آخر تحديث: 5 / 10 / 2024م - 10:01 م

التعددية والاحترام المتبادل

محمد المحفوظ *

ليس سرا من الأسرا، حين القول أن مجتمعنا كبقية المجتمعات الإنساني، يحتوي تعدديات وتنوعات عديدة. وإن هذه التعدديات إذا أحسن التعامل معه، تتحول إلى مصدر إثراء وحيوية لمجتمعنا ووطننا.. وإن وجود هذه الحقيقة في أي مجتمع إنسان، ليس عيبا يجب إخفاؤ، أو خطئا ينبغي تصحيح، وإنما هو جزء طبيعي من حياة المجتمعات الإنساني، بل هو أحد نواميس الوجود الإنساني.. فالأصل في المجتمعات الإنساني، إنها مجتمعات متعددة ومتنوعة. وإن شقاء المجتمعات لا ينبع من وجود هذه الحقيق، وإنما من العجز عن صياغة أنظمة اجتماعية وثقافية وسياسية وقانوني، قادرة على إدارة هذه الحقيقة بدون افتئات وتعسف. وعليه فإن أي محاولة لطمس هذه الحقيق، أو التعدي عليه، هو إضرار باستقرار المجتم، وإدخال الجميع في أتون المماحكات والسجالات التي تضر بالأمن الاجتماعي والسياسي..

وقبولنا بحقيقة التعددي، لا يعني أن المطلوب هو أن تتطابق وجهات النظر والرؤية في كل شيء. فمن حق أي طرف ديني أو مذهبي أو قوم، أن يختلف في رؤيته عن الطرف الآخ، ولكنه الاختلاف الذي لا يقود إلى الإساءة أو التعدي على الخصوصيات والرموز. من هنا فإننا ندعو جميع تعبيرات المجتمع واطيافة المختلف، للعمل على صياغة ميثاق وطني متكام، يقر بحقيقة التنوع والتعددي، ويثبت مبدأ الاحترام المتبادل على مستوى الوجود والرأي والرموز.. فليس مطلوبا كنا جميع، من مختلف مواقعنا الدينية أو المذهبية أو الفكري، أن تتحد نظرتنا إلى كل القضايا والأمور أو تتطابق وجهات نظرنا في كل أحداث التاريخ أو شخوصه. ولكن المطلوب منا جميعا هو أن نحترم قناعات بعضنا البع، وإن لا نسمح لأنفسنا بأن نمارس الإساءة لقناعات أو أفكار الأطراف الأخرى..

إننا نرفض نهج السب والشتيمة وإطلاق الأحكام القيمية الجاهزة.. وإننا نعترف باختلافنا الفكري أو تعددنا الديني أو المذهب، ولكن هذا الاعتراف يلزمنا صيانة حق الإنسان الآخر في الاعتقاد والانتماء. فالتعددية بكل مستوياته، لا يمكن أن تدار على نحو ايجاب، إلا بمبدأ الاحترام المتبادل. بمعنى أن من حق أي إنسا، أن يعتز بقناعاته الذاتي، ولكن ينبغي أن لا يقوده هذا الاعتزاز إلى الإساءة إلى الآخرين. فبمقدار اعتزازه بذاته وقناعاته، بذات القدر ينبغي أن يحترم قناعات المختلف واعتزازاته.

وبهذه الكيفية نخرج طبيعية العلاقة بين المختلفين من دائرة السجال والاتهام وسوء الظن والبحث عن المثالب والقراءات النمطي، إلى دائرة العلاقة الإنسانية والموضوعي، القائمة على الاعتراف بحق الجميع بالاختلاف وضرورات الاحترام المتبادل بكل صوره وأشكاله..

وفي سياق العمل على ضبط حقيقة التعددية بكل مستوياتها بمبدأ الاحترام المتباد، أود التطرق إلى النقاط التالية:

1- إن كل الناس على وجه هذه البسيط، يعشوا انتماءات متعدد، وإن العنصر الحيوي الذي يؤدي إلى تكامل هذه الانتماءات بدل تناقضها أو تضاده، هو الاحترام المتبادل..

فكل الناس ينتموا إلى عوائل وعشائر وقوميات وأديان ومذاه، وبإمكان كل هذه الدوائر في حياة الأفراد والجماعا، أن تكون متكاملة ولا تناقض بينها. والبوابة الحقيقية لهذا هو الالتزام بمقتضيات الاحترام المتبادل. بحيث يحترم كل واحد منا دين الآخر أو مذهب، كما يحترم عائلته أو عشيرته أو قبيلته. واعتزاز الناس بدوائر انتماءه، لا يعني الإساءة إلى انتماءات الآخرين بكل دوائرها ومستوياتها. فالتناقض بين هذه الانتماءا، ليس تناقضا ذاتيا وإنما عرضيا. بمعنى حين تغيب قيمة الاحترام المتباد، تنمو الوقائع والمناخات المضادة لتكامل دوائر الانتماء. أما إذا أساد الاحترام المتباد، فإن تكامل هذه الدوائ، يضحى طبيعيا ومثمرا.

فاعتزاز بالدين أو العائلة أو أية دائرة من دوائر الانتماء الطبيعية في حياة الإنسا، ليس جريم، ما دام لا يؤدي إلى رفض المشترك أو تجاوز مقتضيات الاحترام المتبادل..

فالعرب جميعا اليو، ينتمون إلى أوطان متعدد، وبيئات اجتماعية مختلف، وتجمعات إقليمية متنوع، إلا أنهم جميعا يعتزوا بعروبتهم وبكل عناصرهم المشتركة..

ولا يرى المواطن العربي سواء في المشرق أو المغر، أي تناقض بين اعتزازه بوطنه ومنطقت، وبين اعتزازه بعروبته وقوميته.

وما يصح على المواطن العربي على الصعيد القوم، يصح عليه في مختلف دوائر الانتماء...

2- نعيش جميعا ولاعتبارات عديد، لحظة تاريخية حساس، يمكن أن نطلق عليها لحظة انفجاريات الهويات الفرعية في حياة الناس والمجتمعات. وهذه اللحظة إذا لم يتم التعامل معها بحكمة وعقلية تسووية، فإنها تنذر بالكثير من المخاطر والتحديات.

لذلك فإن تعزيز خيار الاحترام المتباد، بين مختلف الانتماءات والتعدديا، سيساهم في ضبط تداعيات ومتواليات انفجار الهويات الفرعية. بمعنى إن غياب الاحترام المتباد، أو التعامل مع هويات الناس والمجتمعات الفرعية بعقلية الإقصاء والاستفزاز والتحقي، سيؤدي إلى المزيد من التشظي والتوترات الاجتماعية والسياسية والأمني، ولا يمكن وقف هذا الانحدار إلا بتعزيز خيار الاحترام المتبادل بكل حقائقه ومقتضياته ومتطلباته.

فليس مطلوبا على الصعيد الاجتماعي والوطن، أن ينحبس الناس في هوياتهم الفرعي، لأن هذه الانحباس والتوتر المترتب علي، يقود إلى المزيد من الأزمات. لذلك فإن المطلوب هو التعامل بوعي وحضارية مع هويات الناس الفرعية. بحيث تتوفر لجميع المواطنين الأقنية المناسبة والأطر القادرة لاستيعابهم وإزالة الالتباسات والهواج، حتى لا يتم التعامل مع هذه الهويات بوصفها أطر نهائي، لا يمكن التحرر منها..

3- إن مقولة الاحترام المتبادل تتضمن الموقف الايجابي من الآخر المختلف والمغاير والكلمة الطيبة وعدم الاكتفاء بأدنى الفهم فها يتعلق والرؤية ومعرفة الآخر وسن القوانين الناظمة للعلاقة بين مختلف التعدديات. فنحن حينما نتحدث عدم الاحترام المتباد، لا نتحدث فقط عن الجوانب الأخلاقي، وإنما نحن نتحدث عن كل مقتضيات الاحترام المتبادل سواء على صعيد السلوك الشخصي أو الرؤية الثقافية والاجتماعية والالتزام السياسي والحماية القانونية. إننا نتحدث عن ضرورة حماية حقيقة التعددية بكل مستوياتها في مجتمعنا من خلال بوابة الاحترام المتبادل.

وجماع القول: إننا نعتقد إنه لكي لا تتحول هذه الحقيقة المجتمعي، إلى مصدر للتوتر والأزما، نحن بحاجة إلى تعزيز خيار الاحترام المتباد، حتى نتمكن من صيانة تنوعنا والمحافظة على استقرارنا الاجتماعي والسياسي.

كاتب وباحث سعودي «سيهات».