العلم كما نعرفه لا يستطيع تفسير الوعي - لكن ثورة علم الوعي قادمة
بقلم فيليب غوف، أستاذ الفلسفة المساعد بجامعة دورهام
1 نوفمبر 2019
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 399 لسنة 2020
Science as we know it can’t explain consciousness - but a revolution is coming
Goff Philip، Assistant Professor of Philosophy، Durham University
November 1,2019
تفسير كيف يمكن لشيء معقد كالوعي أن ينبثق من كتلة من الأنسجة رمادية اللون تشبه الهلام في الرأس هو أكبر تحد علمي من تحديات عصرنا. الدماغ عضو شديد التعقيد بشكل غير عادي «1»، متكون مما يقرب من 100 مليار خلية [المترجم: العدد لا يتعدى 86 مليار خلية عصبية، بحسب ما ورد في 2,3» - تُعرف باسم الخلايا العصبية - كل منها متصل ب 10 آلاف خلية أخرى [المترجم: غير عصبية، 3]، مما ينتج عنه حوالي عشرة تريليونات وصلة عصبية.
لقد أحرزنا قدرًا كبيرًا من التقدم في فهم نشاط الدماغ «4»، وكيف يساهم في السلوك البشري. لكن ما لم يتمكن أحد من تفسيره حتى الآن هو كيف ينتج عن كل ذلك مشاعر وانفعالات [المترجم: ومنها ما يُعرف بالإنفعالات الأساسية كالغضب والاشمئزاز والخوف والسعادة والحزن والإندهاش.، 5، وللفرق بين المشاعر والانفعالات، راجع 6] وملازمات الوعي conscious experience «انظر 7». كيف يؤدي دوران الإشارات الكهربائية والكيميائية بين الخلايا العصبية إلى الشعور بالألم أو الإدراك الحسي باللون الأحمر؟
هناك شك متزايد «8» في أن الأساليب العلمية التقليدية لن تتمكن أبدًا من الإجابة على هذه الأسئلة. لحسن الحظ، هناك مقاربة بديلة قد تكون قادرة على كشف هذا الغموض في نهاية المطاف.
على مدى معظم القرن العشرين، الاستفسار عن عالم الوعي الداخلي الغامض كان من ضمن المحرمات الكبيرة - إذ لم يعتبر هذا العالمُ الوعيَ الداخلي موضوعًا يتلاءم مع ”العلوم الجادة“. لقد تغيرت الأمور كثيرًا بعد ذلك، فهناك حاليًا اتفاق واسع على أن مسألة الوعي مسألة علمية جادة. لكن العديد من الباحثين في مجال الوعي يقللون من عمق وأهمية هذا التحدي، معتقدين أننا نحتاج فقط لمواصلة دراسة بنيويات الدماغ المادية لمعرفة كيف ينبثق الوعي من [هذه البنيويات].
ومع ذلك، فإن مسألة الوعي تختلف جذريًا عن أي مسألة علمية أخرى. أحد الأسباب هو أن الوعي غير قابل للرؤية. لا يمكنك أن تنظر داخل رأس شخص ما وترى مشاعره وملازمات وعيه «7». لو انطلقنا مما يمكننا رؤيته من منظور الشخص الثالث «للمعنى، راجع 9»، فلن يكون لدينا أي أساس لوضع فرضيات للوعي على الإطلاق.
بالطبع، العلماء معتادون على التعامل مع الأشياء غير المرئية. الإلكترونات، على سبيل المثال، أصغر من أن تُرى. لكن العلماء يفترضون كيانات غير قابلة للرؤية لكي نفسر ما نراه، مثل البرق أو آثار «أعقاب» البخار في الغرف السحابية [المترجم: غرف تستخدم للكشف عن الجسيمات المؤينة، بحسب 10]. لكن في الحالة الفريدة للوعي، لا يمكن رؤية الشيء المراد تفسيره. نحن نعلم أن الوعي لا يوجد من خلال التجارب ولكن من خلال إدراكنا المباشر لمشاعرنا وممارساتنا.
فكيف يمكن للعلم أن يفسرها قط؟ عندما نتعامل مع بيانات «المعلومات المستقاة من عملية» الرؤية، يمكننا إجراء تجارب للتأكد مما لو كان ما رأيناه مطابقًا لما تتنبأ به النظرية. ولكن عندما نتعامل مع بيانات الوعي غير القابلة للرؤية، فإن منهجية البحث هذه لا تستقيم. أفضل ما يستطيع العلماء فعله هو تساوق ملازمات الوعي «7» غير المرئية بالمجريات «العمليات» التي يمكن رؤيتها، عن طريق مسح أدمغة «11» الناس [تحت جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي] والاعتماد على إفاداتهم المتعلقة بملازمات الواعي «7» الخاصة بهم.
بهذه الطريقة، يمكننا إثبات، على سبيل المثال، أن الشعور بالجوع غير المرئي متساوق مع النشاط المرئي في منطقة ما تحت المهاد في الدماغ. لكن تراكم مثل هذه التساوقات لا ترقى إلى مستوى نظرية الوعي. ما نريده في النهاية هو تفسير لماذا ملازمات الوعي تتساوق مع نشاط الدماغ. لماذا يأتي مثل هذا النشاط في منطقة ما تحت المهاد مع الشعور بالجوع؟
في الواقع، لا ينبغي أن نتفاجأ بأن طريقتنا العلمية المألوفة تواجه صعوبات في التعامل مع الوعي. كما سبرت في كتابي الجديد خطأ جاليليو: أسس علم الوعي الجديد «11»، العلم الحديث صُمم بشكل صريح لاستبعاد الوعي.
قبل ”أبو العلم الحديث“ غاليليو غاليلي Galileo Galile «انظر 12»، اعتقد العلماء أن العالم المادي / الطبيعي مليء بالمميزات «بالأعراض»، كاللون والرائحة. لكن غاليليو أراد علمًا كميًا بحتًا للعالم المادي / الطبيعي، ولذلك اقترح أن هذه المميزات / الأعراض لم تكن بالفعل موجودة في العالم المادي ولكنها موجودة في الوعي، الذي نص بوضوح أنه خارج مجال العلم.
هذه النظرة للعالم شكلت خلفية للعلم حتى يومنا هذا. وطالما أننا نعمل ضمن هذه الخلفية، فإن أفضل ما يمكننا فعله هو وضع تلازمات «تساوقات» بين عمليات الدماغ الكمية التي نستطيع رؤيتها وملازمات الوعي النوعية التي لا يمكننا رؤيتها، في غياب طريقة لتفسير سبب تلازمهمما معًا.
العقل مادة
أعتقد أن هناك طريقة للمضي قدمًا، وهي مقاربة متأصلةمنذ عشرينيات القرن الماضي للفيلسوف برتراند راسل Bertrand Russell «انظر 13» والعالم آرثر إدينغتون Arthur Eddington «انظر 14» نقطة بدايتهما كانت: العلوم الفيزيائية لا تخبرنا بالفعل أي شيء عن ماهية المادة.
قد يبدو هذا غريبًا، لكن اتضح أن الفيزياء مقصورة على إخبارنا عن سلوك «خواص» المادة. على سبيل المثال، المادة لها كتلة وشحنة، وهي خواص يمكن وصفها بالكامل من منظور السلوك - التجاذب والتنافر ومقاومة التسارع. الفيزياء لا تخبرنا شيئًا عما يحب الفلاسفة أن يسموه ”الطبيعة الجوهرية للمادة“، حالة المادة في حد ذاتها.
يتضح، إذن، أن هناك فجوة كبيرة في نظرتنا العلمية للعالم - فالفيزياء تتركنا في حالة جهل تام بشأن ماهي المادة بالفعل. اطروحة راسل وإدينغتون من شأنها أن تسد تلك الفجوة بالوعي.
والنتيجة هي نوع من ”الروحية الشاملة“ panpsychism «انظر 15» - وجهة نظر قديمة مفادها أن الوعي هو سمة أساسية وواسعة الانتشار للعالم المادي. لكن ”الموجة الجديدة“ من الروحية الشاملة تفتقر إلى الدلالات الباطنية لأشكال وجهة النظر السابقة «16». لا يوجد سوى المادة - لا شيء روحي أو خارق للطبيعة - ولكن يمكن وصف المادة من منظورين. علم الفيزياء يوصف المادة ”من الخارج“ من حيث سلوكها «خواصها»، لكن المادة ”من الداخل“ تتكون من أشكال من الوعي.
فيديو: الروحية الشاملة
هذا يعني أن العقل مادة، وأنه حتى الجسيمات الأولية تظهر أشكالًا أساسية من الوعي بشكل لا يصدق. قبل أن تستبعد ذلك، ضعه في اعتبارك. يمكن أن يختلف الوعي في التعقيد. لدينا سبب وجيه للاعتقاد بأن ملازمات الوعي «7» للحصان أقل تعقيدًا بكثير من تلك التي للإنسان، وأن ملازمات الوعي للأرنب أقل تعقيدًا من تلك الخاصة بالحصان. عندما تصبح الكائنات أكثر بساطة، قد يكون هناك مستوى ينقطع فيه «يقفل فيه» الوعي فجأة - ولكن من الممكن أيضًا أن يخبو ولكنه لا يختفي تمامًا أبدًا، مما يعني أنه حتى الإلكترون لديه عنصر صغير من عناصر الوعي.
ما تقدمه لنا الروحية الشاملة هو طريقة بسيطة وأنيقة لدمج الوعي بنظرتنا العلمية للعالم. بالمعنى الدقيق للكلمة لا يمكن اختبار ذلك. طبيعة الوعي غير القابلة للرؤية تستلزم أن أي نظرية للوعي تتجاوز مجرد التساوقات ليست قابلة للاختبار بالمعنى الدقيق للكلمة. لكنني أعتقد أنه يمكن تبرير ذلك من خلال شكل من أشكال الاستدلال على أفضل تفسير: الروحية الشاملة هي أبسط نظرية لكيف يتلاءم الوعي مع قصتنا العلمية «18».
في حين لا تقدم مقاربتنا العلمية الحالية أي نظرية على الإطلاق - وإنما فقط تساوقات - فإن البديل التقليدي للادعاء بأن الوعي موجود في الروح يؤدي إلى صورة مسرفة عن الطبيعة يكون فيها العقل والجسد مختلفين. الروحية الشاملة تتجنب كلا هذين الرأيين المتطرفين، ولذلك يتبنى بعض علماء الأعصاب الرواد الآن الروحية الشاملة باعتبارها أفضل إطارًا لبناء علم الوعي.
أنا متفائل بأنه سيكون لدينا في يوم من الأيام علم للوعي، لكنه لن يكون علمًا كما نعرفه اليوم. لا شيء أقل من ثورة وهي في طريقها الينا بالفعل.