آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

خطاطون قطيفيون: يحيى عبد الله البشراوي ”القديح“

حسن محمد آل ناصر *

الخط العربي قديم وعريق جدا، واستهوى كثير من محبي هذا الفن وبذلوا فيه أعمارهم وهذبوه وحسنوه وأضافوا إليه بحكم الممارسة والمتابعة، فكل جيل كان يضيف لمسات حتى وصل لمراحل متطورة ومتقدمة بشكل كبير وملحوظ، وأبناء المملكة عامة والقطيف خاصة ساهموا في تنمية الخط بشكل كبير جدا، لأنه كان أحد مآثر واهتمام العلماء والشعراء بنسخ الكتب وتداولها معرفيا كانت هذه الطريقة من أبرز المخطوطات التي نشاهدها اليوم، بالإضافة لزخرفة وفن العمارة وحفر الحرف على الجص وغيره من الجماليات، فكان لهذا الفنان الخطاط حضوره ومكانته وعيشه الرغيد.

الخطاط المبدع يحيى بن عبد الله بن جواد البشراوي، والبشراوي من العشائر القديحية الأصل كانت تسكن حي البشري الواقع في الجهة الجنوبية من القديح، وأخذ هذا اللقب نسبة لساكنيه، ولد في القديح سنة 1386 هـ ونشأ فيها بين أبوين كريمين، ذو خلق كبير مثقف واع يعتبر من رواد فن الخط العربي بالقطيف المحروسة.

دخل المدرسة الابتدائية وأنهى المرحلة المتوسطة، ولم يكمل دراسته، انصرف إلى الوظيفة بمهنة ”خطاط“ في معهد الإدارة العامة بالدمام وعمله هناك كان خط شهادات الخريجين المتدربين، ثم انتقل إلى وظيفة أخرى في الهيئة الملكية للجبيل وينبع بمهنة ”فني طباعة“ والخط لا يبتعد عن نمط الطباعة، فكانت الوظيفة تدعم وتعزز المهارة لديه بممارسة بعض الخطوط وخط شهادات وعناوين تابعة لمعارض التي تقيمها الهيئة، والخط عنده كان من ضمن الوظيفة التي يشغلها سواء في الدمام أو الجبيل.

منذ كان صغيرا وبالتحديد في المرحلة الابتدائية كانت تستهويه العناوين المكتوبة على الكتب وينظر بشغف لتلك اللافتات والإعلانات على المحلات التجارية، ومن جملتها التأمل والنظر الحادق لسيارة المشروبات الغازية القديمة التي كتب على خلفيتها بالحجم الكبير بخط الثلث ”كعكي كولا“، وكانت بالنسبة له مبهرة ومختلفة عما يراه ويشاهده في خط النسخ المتداول في الدراسة، وبالتالي كان رسم الحرف يثير انتباهه بشدة خاصة حرف العين يكون مفرغاً بالوسط وله شكله المعروف بالخط.

تعلم هذا الفن بصفة ذاتية وجهد شخصي طوره بالتدريب والتمرين المستمر، وبحكم الفترة التي بدأ فيها ممارسة فن الخط عام 1400 هـ تقريبا لم يكن هناك ما يربطه بالخطاطين؛ لأنهم قلة وبمعنى آخر لم يكن يلمع أو يبرز أسماء إلا النادر أمثال الخطاط عبد الله الغانم والخطاط مكي الناصر، فأخذهما رمز في درب معين ليحقق أمنياته، فاللامع الغانم أخذ بيده وقبلها تشجيعا فلا يزال هذا الموقف لا يفارق مخيلته حتى بعد هذه السنين الطويلة من عام 1412 هـ إلى الآن يتذكره ويفخر به لكونه من جهابذة وكبار وعمالقة الخطاطين في الخط العربي، فقد كان هذا الفعل بالنسبة له مهولاً وفي غاية التشجيع، أما الناصر ذو القصبة الفخمة الذي كان يعمل خطاطا في مجلة القافلة التي تصدر من شركة أرامكو السعودية كان يخط العناوين وعمله الوظيفي في جامعة البترول تأثر به وراح يغوص في أعماق فنه.

اهتم بالخطوط على مختلف مشاربها الثلث والنسخ والديواني والفارسي والرقعة والإجازة والكوفي وغيرها، فقد مارسها وسبر بالإلمام بها وطوعها، بالإضافة أنه يملك جاذبية كبيرة جدا دائما يؤكد على أن الخطوط تستهوي أغلب الجمهور سواء متعلمين أو أميين، عرب أو أجانب، فاللوحة تحاكي مختلف الثقافات؛ لأن الواقف أمامها تجذبه بجمالها الخلاب الأخاذ، وفي الوقت نفسه مقل جدا في مشاركاته، فهذا الخطاط المميز شارك في ثلاثة معارض فقط اثنين في القطيف والآخر في صالة الفنون بالدمام.

وهو في هذا المجال يرفض تواضعا قائلا: مستواي لا يرتقي للخوض مع أساتذة متمكنيين، بالإضافة لا يطمع في شهادة شكر وثناء ولا تقدير مالي يكفيه تشجيع وتحفيز الأسرة، فالنشاط ورفع المعنويات يأتي من بيت العائلة هذا أولا، ومن غيرهم يرى نفسه أقل القليل في هذا الفن كل ما يهمه التشجيع المعنوي والتعزيز النفسي أكثر من الدوافع المادية.

خطاطنا البشراوي قليل الإنتاج الفني ليس هذا بالمعنى أن الفكرة معدومة أو صعبة لديه لا، أنه يراها سهلة بمجرد أن تمارس الخط بالتدريب اليومي وتحريك اليد والتمرين تنقدح بعض الأفكار وتولد وتتكون بالتشذيب والتطوير والتحسين وحسب إمكانية الخطاط نفسه لوقت وفترة معينة، وربما يهوى الإنتاج إلا أنه قليل جدا، وهنا سأذكر نتاجاً واحد من أعماله «كتابات تعبر عن الزوج والزوجة بأسمائهما».

البشراوي من الخطاطين المتواضعين مازال يحسب نفسه هاوياً ومحباً لفن الخط العربي، ويعلل ذلك بعدم ممارسته واشتراكاته في هذا العالم لعدم حضوره وبروزه وظهوره، وبكل حب وأريحية يرى نفسه من المتذوقين المبتدئين وإن أشاد البعض أنه ارتقى لشيء أكبر، فإنه يحسبه تطور غير احتراف، إلا أن الخطاطين المميزين يذكرونه بأنه من رواد الفن في الخط العربي.