آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

أوراق وأقلام ‎‎

ليس هناك من شيء يستحق الندم والتحسر عليه كضياع الأوقات هباء منثورا بلا استفادة منها، ينظر المرء بعين الألم لعمره المحدد له بلا تحقق أي إنجاز يذكر، بينما هناك من حول ساعات عمره إلى فرص استثمرها أحسن استثمار وحولها إلى مراحل ينتقل إليها ويخطو نحو الأهداف التي كرس جهده وفكره لتحقيقها، وليس هناك من شيء يعوض تلك الأوقات بعد فواتها وهذا لا يعني ضياع الفرصة وعدم القدرة على التعويض بالبتة، وإنما هناك قناة وحيدة يمكننا أن نبدأ معها بداية جديدة وبحلة تغاير واقع الاستهتار السابق، ألا وهي التقاط الأنفاس على دكة محاسبة النفس والنظر الجدي في برنامجنا الحياتي وكيفية قضاء الأوقات؛ لتظهر لنا أوجه التقصير ومكامن تضييع الأوقات الثمينة لتلافيها مستقبلا، وهذا لا يتم بواسطة الأماني الكاذبة وأحلام اليقظة والتي نستعرض فيها صورة جميلة لقضاء الأوقات بنحو غير جدي وما أنجزناه على مستوى الأوهام فقط، بينما في الواقع لم نتحرك خطوة واحدة بسبب افتقادنا للإرادة الجدية والهمة العالية التي تحول تلك الأفكار الجميلة إلى واقع نكافح ونثابر لتحقيقه، ونجابه العراقيل والإخفاقات التي تواجهنا فنفكر في كيفية اجتيازها والنهوض مجددا لإكمال المسير والخطى، وفي كل خطوة نتقدم ونحققها تعد مرحلة من مراحل النجاح والإنجاز تتلوها أخرى.

ومرحلة الشباب تعد أقوى مراحل القوة وتوهج القدرات واكتمال البنية الفكرية والمهارية والنفسية، ولذا ورد في الروايات الشريفة التأكيد على انتهاز الفرص المتاحة للإنسان وتسجيلها كنقاط قوة له، وذلك أنه قد يأتيه وقت يضعف فيه بدنه عن العمل أو تداهمه الأمراض المقعدة له عن تحقيق إنجازات، وأنسب وقت له هو فترة الشباب فعداد العمر يمضي والخسائر قد تلاحقه إن لم يغير تعامله مع تقادم الأيام، فالأوقات الصعبة والظروف الحياتية الضاغطة عليه تمثل محطات اختبار وتحد يكتسب من خلالها الخبرة في كيفية التعامل مع الأيام الفاسية وتجاوزها بسلام.

كما أن التوازن بين حاجات الروح والبدن أمر ضروري لئلا يوغل المرء في مساحات واتجاهات ظاهرها الانتصار الوهمي وحقيقتها الخسران المبين، فمباهج الدنيا ترتبط ارتباطا وثيقا بالغرائز المودعة عند الإنسان والإفراط في اللهث خلفها مع تضييع أمر آخرته ونسيانه من حسابه، يقلب المعادلة بالنسبة له ويجد نفسه في يوم الحساب قد ترك ذلك المتاع ولم يأت معه شيء منه إلى عالم ما بعد الرحيل، فاستثمار الوقت لا يقتصر على الجوانب والأهداف المادية بل يمتد ويتجزأ بحسب جهة علاقته بالله تعالى وعمل الصالحات وصنع المعروف، وتنمية الجوانب الأخلاقية والتربوية والاجتماعية ومهارات التعامل عنده.

وما يحفز اغتنام الأوقات عند المرء هو الشعور الفعال بأن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء أبدا، وكل ساعة ويوم يطوى من سجل عمره يعز كالورقة الساقطة من الشجرة لا ترجع إليها، وكلما تفكر في هذا الأمر شكل حافزا مشجعا له نحو تنظيم وترتيب أوقاته وأولوياته وأهدافه، فإن التغيير والمراجعة لأحوالنا أمر سهل وما نحتاجه سوى نباهة ومذكر لنا من أنفسنا، ولكنها تصعب إذا تمرس الفرد على الممارسات الخاطئة والصفات السيئة وتغلغلت في نفسه حتى أضحت سلوكا مستداما عنده.

والفرص المتاحة أمامنا لا يعني أنها تأتينا كما تتسلل إلينا أشعة الشمس عند إشراقها، وإنما الفرصة مزيج مركب من قدرات ومهارات خاصة بالإنسان يعمل على اكتشافها وتنميتها، وفكر واع يخطط لأهداف تتناسب ومستواه يثابر لتحقيقها على أرض الواقع، فمتى ما سعى في عمل ووجد هذا العمل أو الدراسة تناسب قدراته جد على تحصيله وإنجازه، فهذه حقيقة الفرص المغتنمة والمتاحة.

من العوامل المساندة للفرد في طريق استثمار أوقاته بأفضل حال هو النظر إلى المخرجات والنتائج في كل مرحلة ودراسته بدقة، إذ أن الخطأ والتقصير وارد وأمر طبيعي، وحين مواجهة أي من العراقيل أمامه لا يتراجع ويتقهقر ويتخوف من المستقبل، ولكنه يبحث بين الاحتمالات والخيارات المتاحة أمامه ليواصل طريقه وإن اختار خطة أو مسارا جديدا.