آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

العنصريون الصغار

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

سادت حالة من الاستياء والتذمر الشديدين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تداول مقطع لشخص ارتكب الإساءة الصريحة والتمييز المناطقي ضد سكان إحدى مناطق المملكة، ووصفهم بأوصاف غير لائقة عبر إحدى المساحات المخصصة في برامج التواصل الاجتماعي. المقطع لم يلبث ساعات معدودة إلا وانتشر بسرعة البرق في «تويتر»، وأنشئ له وسم تويتري استنكر فيه المغردون العبارات العنصرية، وطالبوا بمحاسبته. وبالفعل ما هي إلا ساعات وصدر أمر النائب العام بالقبض على الشخص المسيء استنادًا إلى المادتين «15,17» من نظام الإجراءات الجزائية، وإحالته إلى النيابة العامة لاستكمال الإجراءات النظامية، تمهيدًا لإحالته للمحكمة المختصة والمطالبة بالعقوبات المشددة الرادعة في هذا الشأن. حين يسيء شخص لمنطقة بأكملها ويصفها بأوصاف عنصرية علنا أمام الناس. تبهت خطورة الأوبئة القادمة التي لطالما صرحت بها منظمة الصحة العالمية، وتصغر كل المخاطر الأخرى، فأي كارثة يمكن أن تحيق بنا أعظم من تلك العنصرية الفجة التي تسكن نفوسنا، المغروسة عميقًا في ضمائرنا، والتي تقفز ببشاعة ما بين فترة وأخرى لتحصد ما تحصد من ضمائر وأخلاقيات وإنسانيات. العنصرية لها أشكالها وألوانها المتنوعة، ليست هناك عنصرية فجة وأخرى لطيفة إلا في أذهان العنصريين أنفسهم، فهم يحاولون يبثون عنصرياتهم بقالب كوميدي أحيانًا في كلمة هنا أو لقب هناك. هؤلاء يعتقدون أن عنصرياتهم بريئة، غير ضارة، مجرد فكاهات ينفسون بها عن تمييزاتهم اللذيذة.

هذه المرة جاءت العنصرية الإعلامية في الشأن الرياضي بشكل فج، وإذا نظرت لبداياتها تجدها كانت على شكل مزحة، كم مرة سمعنا كلمة مثلا لفظة «خدمي» أو «خدم» أو «ضفادع» في التراشق الرياضي بين الجمهور أو حتى من بعض الإعلاميين؟

سيقال هذه عنصرية بريئة خفيفة لا تصيب بأضرار، ما زال هؤلاء مقتنعين بأن تعبيراتهم صارت متداولة وفي نظرهم أصبحت جزءًا من اللغة السائدة أو أنها أضحت وسيلة نقد مخففة، لا يرون فيها ضررًا لهذا الرذاذ السام الذي يتناثر مع كلماتهم. العنصرية الصغيرة والبسيطة والتي تتخفى خلف البراءة، هي أخطر في نظري من العنصرية الكبيرة، أتعلمون لماذا؟ لأنها بكل بساطة تمهد الطريق وتيسره للعنصريين القادمين. تعالوا معي لبعض العنصريات الخفيفة والتي نتفوه بها حينما نصف بعض الأعراق والجنسيات الأخرى من قبيل «تكرن» «فلبن» «بنقالة» «زلمات» «أبو هنود» «طعمية» وغيرها من الأوصاف التي تقلل من شأن بعض الجنسيات والتي نستسهلها ونغض الطرف عنها لتكبر وتكبر، وهم بالمقابل لديهم بعض الأوصاف السيئة التي يصفوننا بها من قبيل «عربو برو برو» في إشارة مهينة للعرب بأن أخرجوا من ديارنا.

هؤلاء الصغار هم التحدي الصعب وهم قضية الإصلاح الإنساني الأهم. المعضلة أنه لا وقت لدينا للتعامل التدريجي مع العنصريات الخفيفة البسيطة المتناثرة هنا وهناك، ليست لدينا حساسية من هذه الأوبئة وهذه تعد مشكلة بحد ذاتها، وهي أننا لا نتفاعل إلا مع العنصريين الكبار، ولكن صغارهم لا نعيلهم أي اهتمام. هؤلاء الصغار هم من يدخلون المنزل مبتسمين ويسيرون فيه دون حسيب أو رقيب ونحن نضحك معهم، ثم يفتحون الأبواب «على عينك يا تاجر». ليس ذلك فحسب بل يشرعون بفتح النوافذ على مصراعيها، يحفزون الكبار ويهيئونهم للدخول. يجب أن نتخذ كل الإجراءات والتدابير للتعامل مع كل أشكال العنصرية وألوانها وأحجامها، صغيرها وكبيرها.